تحت القائمة

رحلات بلا عودة : عائلات مغربية تبحث عن أبنائها المفقودين في رحلة الهجرة لسبتة

لا تزال عدة أسر مغربية تعيش على وقع صدمة الاختفاء المفاجئ لأبنائها، بعد محاولات محفوفة بالمخاطر لعبور البحر سباحة نحو مدينة سبتة المحتلة. المأساة الأكثر قسوة تكمن في مصير المفقودين الذين لم تصل عنهم أي أخبار، تاركين وراءهم عائلات تمزقها الحيرة والانتظار.

إسماعيل بن مسعود.. حلم الهجرة ينتهي في الغياب

إسماعيل، شاب في العشرين من عمره، ينحدر من مدينة تطوان. يوم الخميس الماضي، قرر رفقة صديق له الانطلاق من سواحل الفنيدق باتجاه سبتة. كان يرتدي بنطالا قصيرا داكنًا وقميصًا أبيض، وفوقهما بذلة غوص، استعدادًا لعبور البحر. لكن رحلته انتهت سريعًا. صديقه أوقفته السلطات المغربية، فيما استمر إسماعيل في السباحة قبل أن ينقطع أثره بشكل مفاجئ، ليبقى مصيره مجهولًا حتى الآن. عائلته لا تزال تعيش ساعات طويلة من القلق والترقب، بين الأمل في عودته والخوف من الأسوأ.

محمد فريحات.. قاصر يواجه المجهول

من مدينة العرائش، انطلق فجر الجمعة الماضية محمد فريحت، البالغ من العمر 17 سنة. ارتدى قميصًا أبيض وسروالًا رياضيًا رماديًا، ثم قفز في البحر متجهًا نحو الضفة الأخرى. صديقه الذي كان برفقته تم توقيفه من طرف الحرس المغربي، لكن محمد اختفى منذ تلك الليلة. أسرته تصف معاناتها بأنها “لا تحتمل”، إذ تعيش بين الأمل واليأس، متشبثة بأي خيط قد يقودها إلى معرفة مصيره.

ثلاثة أصدقاء من بني حسان.. غياب جماعي

المأساة لم تتوقف عند الأفراد، فقد اختفى ثلاثة أصدقاء دفعة واحدة من منطقة بني حسان التابعة لإقليم تطوان، بينهم الشاب حسن البالغ 18 سنة. المعلومات المتاحة قليلة جدًا؛ إذ تشير إلى أنهم تركوا هواتفهم في منازلهم قبل الانطلاق، ما عقد مهمة البحث والتواصل معهم. غيابهم الجماعي ألقى بظلال ثقيلة على عائلاتهم وجعل المنطقة كلها في حالة ترقب مؤلمة.

عائلتان من بني سعيد تبحث عن طفليهما

أطلقت أسرتان من منطقة بني سعيد نواحي وادي لاو بإقليم تطوان نداءً إنسانيًا عاجلًا للبحث عن طفليهما، توفيق ومحمد، بعد أن غادرا منزل العائلة الخميس الماضي متوجهين نحو مدينة الفنيدق، في محاولة للعبور سباحة إلى مدينة سبتة المحتلة.

وقالت الأسرتان إنهما فقدتا أي اتصال بالطفلين منذ مغادرتهما المنزل، معبرتين عن مخاوف من أن يكونا ضمن جثتين جرى انتشالهما الجمعة الماضية بشاطئي سارشال والريسينتو بسبتة، واللتين ما تزالان قيد التشريح والتحاليل المخبرية لتحديد هويتهما

وفيات حديثة

جميع الجثث التي تم انتشالها خلال الأيام الأخيرة تعود إلى شبان لقوا حتفهم في البحر أي أن وفاتهم مرتبطة بمحاولات دخول انطلاقاً من المغرب نحو سبتة. كما أن اثنين من آخر الضحايا كانا يرتديان ملابس عادية ومعهما زعانف سباحة، ويبدو من مظهرهما أنهما لا يتجاوزان العشرين من العمر (ولا يُستبعد أن يكونا قاصرين) . المتوفى الذي عُثر على جثته في وقت مبكر من صباح امس الأربعاء في سان أمارو كان يحمل أوراق هوية، ويتعلق الأمر بشاب من طنجة. أما في الحالتين الأخيرتين فلا توجد بيانات حتى الآن.

نداءات واستغاثات مفتوحة

أمام هذه الحالات المتكررة، خصصت عائلات المفقودين رقمًا هاتفيًا (0636954879) لاستقبال أي معلومة قد تقود إلى أبنائها، في خطوة تعكس حجم القلق واليأس الذي تعيشه. هذه النداءات لا تستهدف فقط السلطات، بل أيضًا المواطنين الذين قد يصادفون أو يسمعون أي خبر عن هؤلاء الشباب.

سياق مأساوي متواصل

الحوادث الأخيرة تندرج ضمن موجة متصاعدة من محاولات الهجرة السرية نحو سبتة المحتلة. تواجه قوات الحرس المدني أسوأ أيام على الإطلاق فيما يخص المآسي المرتبطة بالهجرة غير النظامية. فقد بلغ عدد الجثث المنتشلة في مياه سبتة منذ بداية عام 2025 ثلاثين جثة، جميعها لشبان حاولوا الدخول سباحة أو يُشتبه أنهم أُلقوا في البحر من قارب.

وخلال هذا الشهر من شتنبر وحده، تم العثور على 7 جثث، اثنتان منها لأطفال. وهو الشهر الأكثر مأساوية، ويتزامن مع محاولات متعددة للدخول عبر الأسوار البحرية، نتيجة للضغط القادم من المغرب. لم يسبق أن واجه الحرس المدني عاماً كهذا، مع هذا العدد الكبير من الوفيات، وجميع الضحايا من المغاربة والجزائريين.

وتشير شهادات محلية إلى أن أغلب المحاولات تتم في أوقات ليلية، وفي ظروف جوية صعبة تزيد من خطورة العبور، حيث يواجه الشباب التيارات البحرية القوية، وفقدان الطاقة، ومخاطر الغرق أو الاختفاء دون أثر.

مأساة أكبر من الأرقام

بعيدًا عن لغة الأرقام، تحكي وجوه الأمهات والآباء والأشقاء قصصًا من الألم والترقب، إذ يقضون أيامهم في المستشفيات والمراكز الأمنية والسواحل، باحثين عن بصيص أمل. في الوقت نفسه، يثير الملف أسئلة أكبر حول الأسباب التي تدفع شبابًا في عمر الزهور للمغامرة بحياتهم، وبينها البطالة، وانسداد الأفق الاجتماعي، وحلم “الفردوس الأوروبي” الذي يتحول في كثير من الأحيان إلى مأساة.

تحت المقال