تحت القائمة

سواحل الفنيدق وبليونش.. بوابة الموت نحو الفردوس الأوروبي

✍️ عماد بنهميج / تطواني

تحولت السواحل الشمالية للمغرب، لا سيما شاطئا الفنيدق وبليونش، إلى نقاط عبور رئيسية لمئات الشباب الطامحين للوصول إلى مدينة سبتة المحتلة سباحة. ورغم أن الهجرة غير النظامية ظاهرة عالمية، إلا أن السياق المغربي يضيف لها أبعاداً اجتماعية واقتصادية تجعلها قضية مستمرة على طاولة النقاش العام والسياسات الحكومية.

الهجرة غير النظامية في المغرب ليست مجرد “قضية عابرة” تُختزل في صور شباب يصارع الأمواج نحو ما يعتبرونه فردوسا للأحلام، بل هي تعبير عن أزمات أعمق مرتبطة بالتنمية والعدالة الاجتماعية وتوزيع الفرص بين الشباب المغربي.

الهجرة السرية ليست مجرد اختيار فردي أو مغامرة، بل هي نتاج تداخل عوامل اقتصادية واجتماعية ونفسية. البطالة، ضيق الفرص، وغياب أفق مستقبلي واضح تدفع الشباب إلى المخاطرة بحياتهم. ومع ذلك، فإن تمجيد هذه المخاطر على شبكات التواصل أو تضخيمها إعلاميا لا يزيد الوضع إلا سوءا، ويغذي فكرة أن الهجرة هي السبيل الوحيد لتحقيق أحلام الهجرة الأوروبية.

كل محاولة عبور نحو شاطئ سبتة سباحة تحمل مخاطر كبيرة. تيارات البحر قوية وغير متوقعة، ودرجات الحرارة تنخفض بسرعة، خصوصا في الليل. معظم المهاجرين يفتقرون للخبرة واللياقة البدنية والأدوات الأساسية للنجاة، مما يجعل السباحة تجربة محفوفة بالموت. كثيرون ينهارون بعد دقائق قليلة من البداية، ليبتلعهم البحر في صمت وتتحول المغامرة إلى مأساة حقيقية.

لا يكاد يمر يوم دون أن تتصدر محاولات العبور نحو سبتة سباحة عناوين الصحف المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، مصحوبة بحوادث إنقاذ ووفيات، وتداعيات أمنية وإنسانية. يساهم بعض الخطاب الإعلامي الافتراضي في تعزيز الصورة السوداوية عن الواقع بالمغرب، ويغذي قناعة بعض القاصرين أن العيش في الوطن مستحيل، وأن الخلاص الوحيد هو عبور البحر. هذا الخطاب  يؤدي إلى تأجيج مشاعر الإحباط واليأس، ويدفع المزيد من الشباب إلى المخاطرة بحياتهم في مغامرات محفوفة بالموت.

محاولات الهجرة سباحة ازدادت في الأشهر الأخيرة بشكل لافت، بعضها فردي والأخرى بشكل جماعي. في كل مرة تتدخل عناصر الإنقاذ المغربية أو الإسبانية لانتشال الغرقى أو إعادة المهاجرين إلى نقطة الانطلاق. غير أن بعض المحاولات تنتهي بكارثة، حيث يُفقد شباب وقاصرين في عرض البحر، ولا يعثر عليهم إلا جثثا هامدة.

لا يمكن أن تقاس هذه المآسي فقط بعدد الذين وصلوا أو الذين غرقوا، بل بحجم الجرح الذي تتركه في قلوب الأمهات، وبمقدار الخيبة التي تلاحق مجتمعاً بأسره. فكل جثة يلفظها البحر ليست حادثة عرضية، بل مرآة لآلام أسر وأمهات مكلومة تنتظر الخبر عن أولادها المفقودين.

الحوادث الأخيرة تندرج ضمن موجة متصاعدة من محاولات الهجرة السرية نحو سبتة المحتلة. فقد بلغ عدد الجثث المنتشلة في مياه المدينة منذ بداية عام 2025 ثلاثين جثة، جميعها لشبان حاولوا الدخول سباحة أو يُشتبه أنهم أُلقوا في البحر من قارب. وخلال هذا الشهر من شتنبر وحده، تم العثور على 7 جثث، اثنتان منها لأطفال. وهو الشهر الأكثر مأساوية، ويتزامن مع محاولات متعددة ومتكررة للمغامرة.

الهجرة سباحة نحو سبتة ليست مغامرة بطولية كما يصور أحيانا على شبكات التواصل، بل مقامرة قاتلة. البحر لا يفتح أبواب أوروبا فقط، بل حتى أبواب الموت. والتحذير اليوم موجه ليس للشباب وحدهم، بل للسياسات التي تركت الموج بديلا عن الأمل، في انتظار حلول تنموية واجتماعية لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة.

تحت المقال