تحت القائمة

المساءلة السياسية في تطوان .. آلية لتجديد النخب والثقة في المؤسسات

مقال رأي / عماد بنهميج

في زمن تتزايد فيه التحديات التنموية والاجتماعية، يظل السؤال حول المسؤولية السياسية من أبرز القضايا التي تشغل الرأي العام، ليس على المستوى الوطني فحسب، بل أيضًا على المستوى المحلي، كما هو الحال في مدينة تطوان. المسؤولية والالتزام السياسي ليست مجرد شعارات ترفع خلال الحملات الانتخابية، بل هي التزام حقيقي يتطلب من المنتخبين تقديم أداء ملموس، وتنفيذ البرامج المعلنة، وضمان أن تكون مصالح المواطنين دائمًا المعيار الأساسي لكل قرار يتخذونه.

مع اقتراب الانتخابات التشريعية والجماعية في تطوان، تتجه الأنظار نحو تداول الأسماء وطرح السيناريوهات المختلفة. إلا أن التركيز غالبًا ينحصر في المنافسة على المناصب، بينما يغفل الكثيرون نقطة أساسية: مساءلة المنتخبين عن إنجازاتهم أو إخفاقاتهم السابقة قبل إعادة تجديد الثقة فيهم أو محاسبتهم انتخابيًا. هذا الإغفال يفتح الباب أمام فراغ في المحاسبة، ويتيح لبعض المسؤولين إدارة الشأن العام دون أي التزام حقيقي بنتائج أعمالهم، مما ينعكس سلبًا على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

واقع الأداء المحلي في تطوان يكشف تفاوتا ملحوظا بين المجالس المنتخبة، سواء على مستوى جماعة تطوان أو المجلس الإقليمي. ضعف التخطيط، التأخر في تنفيذ المشاريع، وتردي مستوى الخدمات، كلها مؤشرات على غياب رؤية استراتيجية واضحة لدى بعض المنتخبين. هذه المؤشرات تستدعي من المجتمع المدني والأحزاب السياسية التركيز على أهمية المسؤولية والمساءلة قبل أي اعتبار آخر، لضمان أن يكون العمل السياسي وسيلة فعلية لتحقيق التنمية وتحسين جودة حياة المواطنين، وليس مجرد أداة لتحقيق مصالح حزبية أو شخصية.

جماعة تطوان مثال حي وصارخ على ضعف العملية السياسية بالمدينة، حيث مجلس مشكل من عدة أحزاب لا تتجاوز مقعدين وثلاثة مما أضعف صوت المعارضة والمسائلة. كما شكل المجلس استثناءا وطنيا من ناحية المتابعات القضائية لأعضائه سواء بالمكتب المسير أو مستشارين مما يبرز الحاجة إلى تفعيل المسؤولية والمحاسبة من طرف الناخبين درءا لتكرار نفس الممارسات الهادمة لقيم العمل الجماعي والسياسي.

تاريخ الانتخابات في تطوان يقدم لنا درسا واضحا حول مخاطر تجاهل المسؤولية السياسية، خاصة عندما يتم إعادة إنتاج نفس الوجوه في المجالس الترابية دون محاسبة حقيقية. وما حدث في مجلس الجماعة يجب أن يكون درسا مستفادا لكل من المواطنين والأحزاب، لضمان مرحلة جديدة تقوم على الشفافية والالتزام والمساءلة الحقيقية. فالمجتمع لا يحتاج إلى شعارات رنانة، بل إلى أفعال ملموسة تحقق التنمية وتحافظ على الثقة في العملية السياسية.

وفي المرحلة القادمة، بعد الخطاب الملكي الذي دعا الأحزاب السياسية إلى تجديد خطابها وتطوير آليات عملها بما يتوافق مع تطلعات المواطنين والتحديات الراهنة، يبرز الدور الحيوي للوعي المدني. فشعارات الحملات الانتخابية قد تتحول مجددا إلى كلمات فارغة إذا لم يعي المواطن بأهمية تقييم أداء المنتخبين ومسائلتهم عن اختياراتهم السابقة، سواء كانوا رؤساء جماعات أو برلمانيين، خاصة أولئك الذين لم يحققوا الأهداف المعلنة أو لم يدافعوا بجدية عن مصالح ناخبيهم، مكتفين بالمصالح الحزبية أو الشخصية.

الطريق الأمثل لضمان التنمية والاستقرار في المدينة هو اختيار المسؤول القادر على الدفاع عن مصالح المواطنين، مع مراعاة مؤهلاته، معارفه، ورؤيته الشاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، بما يضمن استدامة للأجيال القادمة. كما أن للأحزاب السياسية دورًا لا يقل أهمية، إذ يتعين عليها دعم السياسيين الأكفاء ووضع حد للأساليب التقليدية غير الفعالة في اختيار المرشحين، بما يسهم في بناء منظومة سياسية شفافة وملتزمة تجاه المواطنين.

في النهاية، المسؤولية السياسية في تطوان ليست خيارا، بل ضرورة لمواصلة التنمية وتعزيز الثقة في المؤسسات، وضمان أن تكون المشاركة السياسية حقيقية وفعالة، ترتقي بمستوى تطلعات المواطنين، وتحقق التنمية الشاملة والمستدامة.

تحت المقال