“عندما يضحك الليل ” .. شعرية السرد ومرآوية الذات في رواية عبد الجواد الخنيفي
يوسف خليل السباعي / تطواني
عندما يضحك الليل” رواية مرآوية بامتياز، تتحرك داخل فضاء لاكاني بعمق: الذات مفككة، واللغة زلقة، والأسلوب سردي وشعري، والمرآة خادعة، والليل راصد ومخاتل. كل شخصية تصارع في حلبة لا ترى خصومها، لكنها تعرف أن الهزيمة قادمة، لأن الضحك ليس من شفاه بشرية… بل من فم الليل ذاته.
حملت الرواية عنوانًا شاعريًا وليليًا “عندما يضحك الليل”، حيث يطل الليل بأوجه متعددة، كما جاء في الغلاف الخلفي للكتاب، ليكون فضاء تتقاطع فيه الشخصيات، وتتشكل عبره مفارقاتها وانتظاراتها، ومكائدها ومواقفها، وأحلامها وهواجسها ومباهجها. الليل هنا ليس زمنًا فقط، بل كيان تتفاعل فيه الحيوات وتشتبك، بحثًا عن بعض الضوء في العتمة.
الضحك في عنوان الرواية ليس اعتباطيًا، فهو كما أشار الغلاف، يحمل دلالة فلسفية عميقة مستوحاة من تصور جورج باطاي الذي يرى في الضحك موقفًا ضد الحياء، مما يمنح الرواية بعدًا رمزيًا يتجاوز ظاهر اللغة نحو أفق فكري وتأويلي. الرواية تسرد عوالم أصوات عديدة، تتصاعد عبر جولات وأحداث تنبض بالحياة في فضاءات الليل، بمدنه ودروبه وتجلياته، وتنسج من هذا التعدد سردًا غنيًا ومركبًا.
حين يكتب الشاعر رواية، فإن اللغة الشعرية لا تغيب، لكنها تنصهر في جسد السرد، كما هو الحال مع عبد الجواد الخنيفي. فاللغة في هذه الرواية تتدفق بجمالية شعرية، دون أن تمس شكل الرواية ومسؤوليتها البنيوية. التجربة هنا تضعنا أمام حالة من التوازن بين الشعري والسردي، حيث لا يتقاتلان، بل يندمجان كتوأم، يتكاملان دون أن يلغيا بعضهما.
ما يميز عبد الجواد الخنيفي، الذي رغم خلفيته الشعرية، يكتب الرواية بوعي روائي كامل، ويتنصل لاشعوريًا من صفته كشاعر أثناء الكتابة، مما يجعل من “عندما يضحك الليل” نصًا روائيًا متماسكًا يحتفي بجمالية اللغة دون التفريط في معمار السرد.
هذه التجربة ليست فريدة تمامًا، فقد سبقه شعراء آخرون إلى الرواية مثل محمد الأشعري، لكن الخنيفي يقدم هنا إضافة واضحة، حيث تصبح اللغة الشعرية مرآة تعكس روح الرواية دون أن تهيمن عليها.
صدرت الرواية عن منشورات سليكي أخوين بطنجة في سنة 2025.