تشهد عصبة الشمال لكرة القدم مرحلة حساسة ومصيرية مع اقتراب موعد جمعها العام الانتخابي يوم 19 شتنبر بالقصر الكبير، في ظل إدارة عبد اللطيف العافية، الرئيس المنتهية ولايته، الذي قاد العصبة لما يقارب عشرين عاماً دون أن يترك أي أثر إيجابي ملموس على مستوى تطوير كرة القدم الجهوية.
فترة ولاية العافية الطويلة والطامع لعهدة سادسة، بدل أن تكون مرحلة لبناء استراتيجية واضحة للنهوض بالبطولة الجهوية، اتسمت بالإهمال المنهجي للعديد من الأندية، خصوصاً تلك المنتمية لمحور الحسيمة، والتي ظلت مهمشة خارج أجندة اهتماماته ومبادرات العصبة.
كان من أبرز مظاهر إخفاق العافية كان نزول فريق شباب الريف الحسيمي إلى قسم الهواة سنة 2023، بالإضافة إلى العراقيل المتكررة التي واجهها النادي الرياضي الحسيمي، سواء في الحصول على الدعم المالي أو المشاركة في أنشطة وبرامج العصبة. كما أن الزيارة الأخيرة للعافية إلى الحسيمة بعد غياب دام عشرين عاماً لم تحقق أي تأثير ملموس، إذ قوبلت بمحبة فاترة من الأندية المحلية، التي أظهرت رفضها لأسلوبه، وأعلنت غالبها دعمها للائحة المنافس عمر العباس، الممثل للوجوه المحلية الجديدة والخبرة الرياضية المشهود لها في الحسيمة.
فشل العافية لم يقتصر على الجانب الرياضي فقط، بل شمل أيضاً إدارة العصبة ماليا وتنظيميا. فقد أثار ملف توريد التجهيزات الرياضية من شركة “ماسيطا” الهولندية تساؤلات واسعة حول آليات تمرير الصفقات، ونقص الشفافية في صرف الميزانية، وغياب التقارير الدقيقة التي توضح طرق إدارة الأموال والموارد. هذا الفشل في الإدارة المالية أدى إلى فقدان الثقة بين الأندية وأثار جدلا قانونيا حول إمكانية مساءلة الرئيس الحالي عن أي خروقات محتملة.
على صعيد حملته الانتخابية، اختار العافية الانطلاق من مدينة تطوان وتوجيه دعوات إلى عدد من الأندية، إلا أن هذا الأسلوب أثار انتقادات لائحة عمر العباس، التي اعتبرت طلب “ختم النادي” حضور الجمع العام مخالفة واضحة للقوانين المنظمة ومساسا بمبدأ تكافؤ الفرص، مما كشف ضعف استراتيجية العافية وعدم قدرته على إدارة الحملات الانتخابية بطريقة مهنية ومقنعة.
إلى جانب ذلك، اتسمت فترة ولايته بالعديد من القرارات المثيرة للجدل، أبرزها صفقات رياضية مشكوك في صحتها، مثل اندماج فريق المغرب الحسيمي مع أجاكس طنجة، إضافة إلى تهميش فرق الإقليم الأخرى، ما خلق حالة من الاستياء العام بين الأندية والأطر الرياضية، وجعل العصبة أسيرة سياسة فردية تركز على مصالح أندية محددة بدل تطوير كرة القدم في الجهة.
في المقابل، تحظى اللائحة الشابة المنافسة بدعم متزايد من أندية تطوان والحسيمة ومرتفيل، وهي لائحة تسعى إلى تجديد الهياكل وتعزيز الشفافية والحكامة، خصوصا في الملفات المالية، التسيير الإداري، البرمجة الرياضية، التكوين، وكرة القدم النسوية، وهي المجالات التي فشل العافية في تحسينها طوال ولايته. هذه اللائحة تمثل خياراً جديداً يهدف إلى رفع مستوى البطولة الجهوية وإعادة الثقة بين الأندية والجماهير.
تأتي هذه التطورات في سياق وطني حساس، حيث تستعد المملكة لاحتضان تظاهرات رياضية كبرى، ما يضاعف الضغط على إدارة العصبة لتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة، وإعطاء الفرصة للوجوه الجديدة القادرة على قيادة كرة القدم بالجهة نحو مستقبل أكثر تنظيماً ونجاحاً.
الجمع العام المقبل بالقصر الكبير سيشكل محطة فاصلة، إذ لن يكون مجرد إجراء روتيني للمصادقة على التقارير، بل اختباراً حقيقياً لمستوى القيادة الحالية، وفرصة لتصحيح المسار بعد سنوات من الإخفاقات والتراجع.
ويبدو أن استمرار عبد اللطيف العافية في منصبه سيكون تكريسا لسياسة الجمود والإخفاق، بينما يمثل التغيير فرصة لإعادة رسم ملامح العصبة، وضخ دماء جديدة تنقل كرة القدم بالجهة إلى مرحلة من التطوير والنجاح، بما يتوافق مع طموحات الأندية، اللاعبين، والجماهير، ويواكب التطورات الوطنية في مجال الرياضة.