نزلتُ من التاكسي. رفعتُ رأسي نحو السماء، كانت فارغة. تساءلتُ عن النجوم التي اختفت. السيارات تمرّ بسرعة، وعندما توقّفت إحداها لأعبر الطريق، فعلتُ ذلك دون أن أنظر إلى سائقها.
في تلك اللحظة، تذكّرتُ أنني رأيتُ بالأمس كلبًا أسود، كان على الجانب الأيمن من الطريق، يتمرّغ على الأرض ويحرّك رأسه ببطء، دون أن يحدّق فيّ. كان لطيفًا لسببٍ واحد: أن صاحبه كان يربطه بحزام أحمر.
سألتُ نفسي:
“هل كان هناك حقًّا كلبٌ أسود، أم أنّ خيالي صوّر لي ذلك؟”
بقيتُ حائرًا، دون أن أجد إجابة.
لا أحد عرف، ولا أحد أجاب.
وظلّ السؤال يطاردني لسنوات.
وبعد عشر سنوات، نزلتُ من التاكسي مرة أخرى. لم يكن هناك كلب أسود، ولا صاحبه، بل فندقٌ لم يكتمل بناؤه. مبنى ضخم، يشبه ناطحة سحاب، لكنه مهجور. يحيط به فضاء واسع، تغطّيه الأشجار والنفايات، وتطوّقه أسلاك سياج صدئة.
وأنا أحدّق في المشهد، رأيتُه.
الكلب الأسود، ينظر إليّ.
عينه الحمراء تخترقني، وكأن العين التي يراني بها، هي ذاتها التي أراه بها.
فكّرتُ في الحزام الأحمر.
ما العلاقة بين العين الحمراء والحزام؟
لم أجد تفسيرًا، لكن الشعور بعدم الارتياح زاد.
في تلك اللحظة، مرّت سيارة إسعاف حمراء، تطلق صفّاراتها وتشقّ الطريق مسرعة. خُيّل إليّ أن من بداخلها هو صاحب الكلب الأسود.
وربما لم يكن هو. ربما كان رجلًا آخر…
أخًا قُتل على يد أخيه، في يومٍ أسود.
مرت أمامي سيارات، حافلات، “تريبورتورات”، دراجات نارية وهوائية، حصان أبيض، وكلاب تسير في صفٍّ واحد، تلهو بأذيالها، وقطط من كل الأحجام…
ثم فجأة، اختفى الجميع.
نظرتُ إلى السماء. كانت فارغة.
وحين التفتُّ إلى الخلف، رأيتُ الكلب الأسود يتبعني.
لم أُعِره اهتمامًا، ومضيتُ في طريقي.
لكن عندما التفتُّ لأتأكّد…
كان قد اختفى.