تحت القائمة

زيارة عامل تطوان تكشف المستور.. “ساحة العدالة” مرآة لفشل تنموي

عماد بنهميج / تطواني

تطوان، المدينة التي يفترض أن تكون نموذجا للتنمية وهي على مرمى حجر من الضفة الجنوبية للمتوسط، تعيش منذ سنوات تحت وطأة المشاريع المعطلة، والوعد التي بُشّر بها المواطنون بغد أفضل تحولت إلى أوراش مفتوحة بلا نهاية. أكوام من الإسمنت والغبار، ووعود جوفاء دون أن يتحرك شيء على أرض الواقع. ويبدو أن الزمن التنموي في تطوان يسير بإيقاع خاص لا علاقة له باحتياجات المواطنين ولا بتعليمات الملك، وكأن المدينة قد اختزلت في بطاقة انتظار مشاريع معلقة.

ساحة العدالة، القلب النابض للمدينة، مثال صارخ على هذا الاستهتار، نموذج مصغر يروي كل ما جرى ويجري في باقي المشاريع الكبرى. زيارة عامل إقليم تطوان، عبد الرزاق المنصوري، إلى ساحة العدالة لم تكن مجرد نشاط إداري عابر أو جولة بروتوكولية، بل لحظة مواجهة مع واقع تنموي بائس تحاول المدينة إخفاءه خلف الأسوار الحديدية واللافتات المعلقة التي تبشر بمشاريع “قيد الإنجاز” منذ سنوات.

زيارة عامل تطوان كانت كافية لتظهر أن ساحة العدالة ليست مجرد ورش متعثر، بل مرآة عاكسة لحالة عامة من التراخي والاستهتار بالتنمية المحلية في تطوان. المستشفى الجهوي متعدد التخصصات الذي كان يفترض افتتاحه سنة 2022 تحوّل إلى مجسم إسمنتي ينتظر من يبعث فيه الحياة رغم الزيارة البروتوكولية لوزير الصحة. والنتيجة استمرار معاناة المواطنين في مستشفى سانية الرمل الذي يئن تحت ضغط يفوق طاقته.

مشروع تهيئة سهل واد مرتيل، الذي رصد له 880 مليون درهم، وكان يعول عليه لنقل المدينة إلى عالم آخر من التنمية السياحية على غرار واد سبو بالرباط، دخل هو الآخر نفق البطء والتأجيل. الوعود بالاستثمار والسياحة المستدامة تبخرت أمام واقع ميداني بائس، حيث الطرق لم تنجز والقناطر لم تستكمل، والوادي لا يزال ينتظر من ينقيه من الشوائب.

تطوان اليوم لم تعد بحاجة إلى لوحات معلقة في الهواء باسم مشاريع مع وقف التنفيذ. هي بحاجة إلى تدخل ميداني صارم من عامل الإقليم الذي يمتلك السلطة لإعادة ترتيب أولويات التنمية وفرض احترام الآجال القانونية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، حتى لا يبقى أي مشروع رهين الانتظار أو مزاج المقاولات الكبرى. على عامل تطوان أن يجعل من المراقبة الميدانية ثقافة دائمة، لا استثناء ظرفيا كما اعتدنا، وأن يربط كل تأخير بإجراءات قانونية صارمة ضد من يستهتر بالمال العام وأمل المواطنين في التنمية.

القطب الاقتصادي الغذائي بحي اللوحة، سوق الجملة للخضر والفواكه، والمجزرة الجماعية، كلها مشاريع متوقفة رغم الافتتاح الرمزي لسوق السمك. ميزانيات ضخمة صرفت على منشآت نصف منجزة، فيما التجار يدفعون ثمن سوء التخطيط والتسيير. أما الأسواق التي كان يفترض أن تساهم في تنظيم التجارة وتنهي احتلال الملك العام، فقد تحولت إلى أطلال بعد أن هجرها التجار وعاد الباعة الجائلون إلى الشوارع في مشهد لا يليق بالعاصمة الصيفية الملك.

أشغال تثنية الطريق الوطنية بين تطوان وشفشاون مازالت متعثرة عند جماعة الحمراء ( بني حسان )، وطريق الحزام الأخضر توقف إنجازه فجأة كما لو أن الدراسات المنجزة والميزانيات المرصودة كانت مجرد رسوم على الورق لا أقل ولا أكثر. كل هذه المشاريع التي يصرف عليها الملايين، تتحول إلى دروس يومية للمواطن في فن الغضب، بينما المسؤولون يواصلون ممارساتهم بروح بلا مبالاة، وكأنهم يختبرون صبر المواطنين أو يراهنون على نسيانهم السريع.

زيارة المنصوري لساحة العدالة يجب أن تكون بداية نهج جديد لا يرحم التراخي ولحظة محاسبة شاملة تفتح فيها الملفات وتسمى فيها الأشياء بأسمائها. نهج يربط المسؤولية بالمحاسبة ويعيد الاعتبار لزمن الإنجاز الذي فقد معناه في المدينة. تطوان لم تعد تحتمل الانتظار أكثر، مشاريعها معلقة، تنميتها مشلولة، وثقة مواطنيها في المسؤولين أصبحت معدومة.

تحت المقال