تحت القائمة

ثورة محمد السادس الكروية ..كيف تحول الحلم المغربي إلى مشروع ينافس أوروبا

نقلا عن صحيفة لاراثون

تشهد كرة القدم المغربية تحولا استراتيجيا غير مسبوق جعلها تتصدر المشهد الكروي العالمي، في وقت كانت فيه لعقود طويلة تكتفي بدور المنافس الطموح.

فبعد الإنجاز التاريخي الذي حققه منتخب الشباب تحت 20 عامًا بالتتويج بكأس العالم في تشيلي 2025، لتصبح المغرب أول دولة عربية وإفريقية تنال هذا اللقب، بات واضحا أن ما يحدث ليس مجرد طفرة رياضية مؤقتة، بل نتيجة رؤية ملكية بعيدة المدى غيّرت خريطة كرة القدم في شمال إفريقيا.

من الحلم إلى المشروع الوطني

منذ أكثر من عقد، وجه الملك محمد السادس بوضع خطة وطنية شاملة لتطوير كرة القدم المغربية، ليس فقط كرياضة، بل كمجال استثماري وتنموي متكامل.

هذه الخطة، التي وصفت في الأوساط الرياضية بأنها “خطة القوة العالمية”، قامت على ثلاثة محاور رئيسية: التمويل المستدام، وتطوير البنية التحتية، ورعاية المواهب الشابة.

ولتحقيق ذلك، أنشئ صندوق وطني لتمويل وتطوير كرة القدم، بشراكة بين الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ومجموعة OCP العملاقة والقطاع الخاص، ما وفر موارد مالية ضخمة ومستمرة تسمح بالاستقلالية والشفافية في إدارة اللعبة.

البنية التحتية .. من مراكز إلى مدن رياضية

أثمرت الاستثمارات المتزايدة عن طفرة في المنشآت الرياضية شملت بناء ملاعب حديثة بمعايير عالمية، ومراكز تكوين متطورة في مختلف الجهات.

ولعل أكاديمية محمد السادس لكرة القدم أصبحت اليوم نموذجا قاريا لتكوين اللاعبين، إذ تخرج منها نجوم مثل عز الدين أوناحي ونايف أكرد، الذين تألقوا في المونديال الأخير وأسهموا في الارتقاء بصورة اللاعب المغربي عالميا.

كما يجري العمل على إنشاء “مراكز كروية جهوية” متكاملة تضم ملاعب تدريب ومراكز تأهيل ومرافق تعليمية، بما يجعل من المغرب أحد أبرز مراكز التطوير الرياضي في إفريقيا.

نتائج ميدانية تعكس التحول

النتائج لم تتأخر في الظهور إذ حقق المنتخب الأول رقما قياسيًا عالميا بـ16 انتصارا متتاليًا، متجاوزا منتخبات أوروبية عريقة مثل إسبانيا وألمانيا وفرنسا.

أما على صعيد الأندية، فقد شهدت بطولات إفريقيا تألقا لافتا للفرق المغربية، حيث أصبحت السيطرة على المنافسات القارية شبه حصرية للرجاء والوداد ونهضة بركان، ما يعكس تجانس المنظومة من القاعدة إلى القمة.

دبلوماسية الكرة وسباق 2030

تجاوز تأثير الخطة حدود الملاعب ليصل إلى الواجهة الدبلوماسية. فمع اقتراب تنظيم كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، يسعى المغرب إلى ترسيخ موقعه كمحور رئيسي في هذا المشروع العالمي، بل وكمنافس حقيقي على احتضان المباراة النهائية.

ويرى مراقبون أن هذا التحول يغير موازين القوة في شبه الجزيرة الأيبيرية، حيث أصبح المغرب بفضل منشآته العملاقة وتجربته التنظيمية منافسا مباشرا لإسبانيا التي طالما احتكرت الدور القيادي في المنطقة.

رؤية تتجاوز الرياضة

ليست كرة القدم بالنسبة للقيادة المغربية مجرد لعبة شعبية، بل رافعة للهوية الوطنية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالمشاريع المرتبطة بالقطاع الرياضي بإمكانها توفير آلاف فرص العمل، والمساهمة في تنشيط السياحة والبنية التحتية، فضلا عن تعزيز صورة المغرب كدولة حديثة طموحة قادرة على التميز في مجالات متعددة.

بهذه الرؤية المتكاملة، يكتب المغرب فصلا جديدًا في تاريخه الكروي، مستندًا إلى تخطيط مؤسساتي طويل المدى، وإرادة سياسية واضحة جعلت من الرياضة أداة دبلوماسية وتنموية في آنٍ واحد.
وإذا استمر هذا المسار بنفس الزخم، فقد لا يكون بعيدًا اليوم الذي يصبح فيه “أسود الأطلس” من المرشحين الدائمين لزعامة كرة القدم العالمية.

تحت المقال