لم تعد كرة القدم مجرد رياضةٍ تمارس داخل الملاعب، بل تحولت إلى أكبر وسيلة ترفيه وسياحة جماهيرية في العالم. اليوم، أصبحت البطولات الكروية منصة ترويجية للدول، ومسرحا عالميا للتفاعل الثقافي والاقتصادي، ومصدرا متجددا للإلهام والتواصل الإنساني.
تعتبر البطولات الكروية الكبرى مثل كأس العالم، وكأس أوروبا، ودوري الأبطال، من أقوى المحركات الاقتصادية والسياحية للدول المستضيفة. فخلال أسابيع قليلة، تتحول المدن إلى عواصم مؤقتة للعالم، تنتعش فيها الفنادق والمطاعم والنقل والأسواق. وتُظهر الإحصاءات أن مثل هذه الأحداث يمكن أن تجذب ملايين الزوار وتدر مليارات الدولارات، إضافة إلى الدعاية غير المباشرة التي لا تقدر بثمن. فكل نشيد وطني، وكل لقطة من مدرجات الجماهير هي بطاقة تعريف جديدة بالبلد أمام العالم.
الفيفا أعلنتت أن أكثر من 2.8 مليار شخص تابعوا مباراة المغرب ضد الأرجنتين في نهائي مونديال الشيلي للشباب. تخيل حجم التسويق الذي حظي به اسم المغرب خلال تلك الليلة التاريخية.إنه ترويج يفوق قدرة أي وكالة علاقات عامة في العالم على تحقيقه، لأن هذا النوع من الحضور لا يشترى، بل يصنع بالعزيمة، والإيمان، والإنجاز.
ما فعله أيضا أسود الأطلس في مونديال قطر 2022 لم يكن إنجازا رياضيا فحسب، بل كان قفزة في الصورة السياحية للمغرب. فقد أعاد الإنجاز رسم خريطة الاهتمام العالمي بالمغرب، أرض التاريخ والتنوع والجمال. ارتفعت معدلات البحث والسفر نحو المدن المغربية بعد المونديال، وازداد حضور المغرب في وسائل الإعلام الدولية كوجهة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، والضيافة والثقافة، والعراقة والطموح.
وبحسب تقرير شركة الخدمات الإعلامية الذكية ” كارما “، أتاح كأس العالم للمغرب الفرصة للقيام بحملة تسويقية مكنته من ترسيخ قيمه الاجتماعية، كما سمحت مشاركة المغرب المتميزة في كأس العالم بالارتقاء بالثقافة المغربية إلى واجهة المشهد العالمي وحولت المشجعين المغاربة إلى سفراء فعليين للهوية والتقاليد المغربية.
لقد أثبتت التجربة المغربية أن كرة القدم قادرة على أن تكون قوة ناعمة تخدم التنمية الوطنية وتفتح آفاقا جديدة للسياحة والاستثمار. فقد ساعد الإنجاز المغربي في مونديال قطر على زيادة رؤية المغرب بنسبة 8 % في وسائل الإعلام الرئيسية، وحسّن من نسبة الوصول للمملكة بـ 24 %، الذي انعكس ذلك إيجابا على السياحة المغربية.
كرة القدم اليوم ليست مجرد تسعين دقيقة من المنافسة، بل رحلة إنسانية وسياحية كبرى تربط بين الشعوب وتنعش الاقتصادات وتبني الجسور الثقافية. وما حققه المغرب في مونديال قطر والشيلي هو الدليل الأوضح على أن المجد الرياضي يمكن أن يتحول إلى أعظم حملة تسويقية وسياحية في التاريخ. حملة لا تصنعها الأموال ولا التخطيط، بل تصنعها الروح، والإيمان، والعشق للوطن.