يشكل مشروع القانون التنظيمي الجديد للأحزاب السياسية محطة مفصلية في مسار تحديث الحياة الحزبية بالمغرب، إذ يأتي بمجموعة من المستجدات التي تعكس إرادة المشرّع في إعادة ضبط العلاقة بين الإدارة والسياسة، وفتح آفاق جديدة أمام الأحزاب لبناء استقلالها المالي والمؤسساتي.
من أبرز التعديلات التي جاء بها المشروع توسيع دائرة الممنوعين من تأسيس أو الانخراط في الأحزاب السياسية. فبعد أن كانت هذه الفئة تشمل القضاة ورجال السلطة وأفراد القوات المسلحة وأعوان القوة العمومية، أضيفت إليها فئة جديدة هي الأطر والموظفون التابعون لوزارة الداخلية والعاملون بها بمختلف هيئاتهم.
هذه الإضافة ليست مجرد إجراء إداري، بل تعبّر عن توجه نحو تكريس الحياد المؤسساتي داخل الإدارة الترابية، وضمان عدم تداخل المهام الإدارية ذات الطابع التنفيذي مع الانتماءات أو الطموحات السياسية. فالهدف هو بناء إدارة محايدة وفعالة، بعيدة عن التجاذبات الحزبية، بما يعزز الثقة في المرفق العمومي كفاعل وطني يخدم المصلحة العامة فقط.
من جهة أخرى، حمل المشروع سابقة تشريعية غير مألوفة تمثلت في منح الأحزاب السياسية الحق في تأسيس شركات خاصة بها، يكون رأسمالها مملوكا كليا للحزب. الغاية المعلنة من هذا الإجراء هي تمكين الأحزاب من تمويل أنشطتها بشكل ذاتي ومستقل، عبر مشاريع في مجالات التواصل، والإعلام، والنشر، والطباعة، والأنشطة الرقمية، وغيرها من الخدمات ذات الصلة بالتأطير السياسي.
هذا التحول يعكس اتجاها نحو تخفيف تبعية الأحزاب للدعم العمومي، وتشجيعها على تطوير مواردها الذاتية بما يضمن استدامتها المالية ويعزز استقلال قراراتها السياسية. غير أن هذا الانفتاح يطرح في المقابل تحديات قانونية وأخلاقية، تتعلق بضرورة وضع ضوابط دقيقة لتفادي تضارب المصالح، ومنع تحول الأحزاب إلى فاعلين اقتصاديين أكثر منهم سياسيين.
في المجمل، يعكس مشروع القانون التنظيمي الجديد محاولة لإحداث توازن دقيق بين متطلبات الحياد الإداري وضمان حرية العمل الحزبي. فهو من جهة يسعى إلى تحصين الجهاز الإداري من أي اختراق سياسي، ومن جهة أخرى يمنح الأحزاب أدوات جديدة لتقوية استقلالها وتمكينها من أداء أدوارها التأطيرية.
لكن نجاح هذا التوجه يبقى رهينا بمدى قدرة المشرّع والحكومة على ضبط الإطار القانوني والتنظيمي لهذه التحولات، وتحديد الحدود الفاصلة بين النشاط الحزبي المشروع والمصالح الاقتصادية الخاصة. فالإصلاح الحقيقي لا يتوقف عند تعديل النصوص، بل يتطلب إرادة سياسية لممارسة جديدة تعيد الثقة في العمل الحزبي وتربط السياسة بخدمة الصالح العام.