تحت القائمة

حين تعجز الأحزاب عن التنمية .. الإدارة تملأ الفراغ السياسي

📝 عماد بنهميج / تطواني

لم تعد اللقاءات التشاورية والتنموية التي تعرفها مدينة تطوان تعكس جوهر العمل السياسي التشاركي كما يفترض أن يكون. فالمشهد الحزبي، محلياً ووطنيا، يعيش اليوم حالة من الخفوت والارتباك، بعدما فقدت الأحزاب بوصلة الفعل السياسي، وتحولت إلى كيانات شبه صورية تكتفي بالحضور البروتوكولي والتقاط الصور في المناسبات الرسمية.

في المقابل، وجدت السلطات الترابية نفسها في موقع القيادة الفعلية لمسار التنمية المحلية، ليس بدافع الرغبة في الهيمنة، بل لأن الأحزاب انسحبت من ساحة الفعل، تاركة فراغا مؤسسيا خطيرا. فبينما كان من المفترض أن تكون التنظيمات السياسية جسرا بين الدولة والمجتمع، ومختبرا لصياغة التصورات التنموية والمرافعة عن هموم المواطنين، صارت اليوم مجرد واجهات شكلية تفتقر إلى الرؤية والجرأة والمسؤولية.

هذا الانسحاب الطوعي أو القسري للأحزاب فتح الباب واسعا أمام وزارة الداخلية لتصبح اللاعب المركزي في المشهد، متحكمة في إيقاع التنمية واتخاذ القرار، بل وفي تفاصيل الحياة المحلية والسياسات العمومية. وهكذا، تحولت السياسة إلى إدارة، والديمقراطية إلى مسطرة، والمنتخب إلى متفرج ينتظر توجيهات رجل السلطة بدل أن يكون مبادرا أو مبدعا في خدمة دائرته.

ولعل ما زاد من قتامة الصورة هو ما أصبح يتداول بين المواطنين من سخرية مرة ” وزارة الداخلية دقت آخر مسمار في نعش الأحزاب السياسية”. فحسب هذا المنطق، لم يعد هناك داع للإبقاء على هذه الكيانات التي فقدت كل معنى، وعليها أن “تغلق دكاكينها وتسلم المفاتيح إلى أم الوزارات”. فإجراء الانتخابات التشريعية أو الجماعية، في ظل هذا المناخ، يبدو لكثيرين مجرد تبذير للمال العام، ما دامت الإدارة هي التي تتخذ القرار وتنزل البرامج وتراقب التنفيذ.

هذه النبرة الساخرة، رغم مبالغتها، تعبر عن حقيقة مؤلمة، فالمواطن المغربي فقد الثقة في السياسة، لأن الأحزاب فقدت روحها ومصداقيتها. لم تعد تنتمي إلى الشارع، بل إلى مكاتب التزكيات والمصالح، ولم تعد تفرز نخبا قادرة على صناعة القرار أو حتى الدفاع عن مشروع مجتمعي واضح.

في تطوان، كما في باقي المدن المغربية، تتجلى الأزمة في أوضح صورها. مجالس منتخبة باهتة، نقاش سياسي عقيم، وتدبير تنموي تتحكم فيه الإدارة الترابية بشكل شبه مطلق. أما الأحزاب، فقد انشغلت بتوازناتها الداخلية وحسابات انتخابية ضيقة، تاركة الشأن العام في مهب البيروقراطية.

في نهاية المطاف، لا يمكن توجيه أصابع الاتهام إلى وزارة الداخلية لأنها قامت بما كان ينبغي على الأحزاب القيام به منذ سنوات. فالإدارة لم تملأ الساحة طمعا في الهيمنة، بل اضطرت إلى ذلك لسد فراغ قاتل خلفه تراجع الأحزاب وتواطؤ نخبها مع منطق الصمت والمصالح. لقد غابت الكفاءة والمصداقية عن كثير من المنتخبين، ففقد المواطن ثقته فيهم، ووجد في الإدارة مخاطبا أكثر جدية وانضباطاً ومسؤولية.

إن ما يحسب على الأحزاب اليوم ليس ضعف حضورها فحسب، بل تخليها عن جوهر وظيفتها الديمقراطية في تمثيل المواطنين وتأطيرهم والدفاع عن قضاياهم. وحين تصبح الإدارة أكثر مصداقية من السياسي، فذلك يعني أن السياسة فقدت معناها، وأن الأحزاب استقالت فعليا من أدوارها الدستورية والأخلاقية.

تدخل وزارة الداخلية إذن لم يكن انقلابا على الديمقراطية، بل نتيجة طبيعية لانهيار الثقة في الأحزاب التي إن لم تبادر إلى مراجعة عميقة لذاتها، وتستعيد مكانتها كوسيط بين الدولة والمجتمع، ستتحول نهائيا إلى مجرد ذكرى في أرشيف التجربة الديمقراطية المغربية.

تحت المقال