العشق الآسر للفنان التشكيلي عبد الواحد أشبون لعالم البحر والذاكرة البصرية
يوسف خليل السباعي/ تطواني
إن العشق الآسر للفنان التشكيلي عبد الواحد أشبون للبحر ومراكبه وبحّاريه وأناسه وطيوره، وللفضاء الطبيعي عامة، وتحديدًا لغيومه المنتشرة والمتلوّنة، يشكّل خطوطًا جوهرية في لوحاته، وبالأخص في تلك التي نقرأها بعين صافية.
اللوحة عند أشبون تنبض بالحيوية والعشق والمتعة البصرية والفنية والجمالية في آن واحد، مما يدفعنا إلى التساؤل عن سرّ هذا السحر التشكيلي، وعن الكيفية التي يرسم بها الفنان لوحاته المرتيلية، التي تحمل نغمة، بل لنقل: لمسة فريدة لا يمكن أن تتشكّل إلا على يديه، هو الذي يعيش في مرتيل، ويستنطق تفاصيلها الدقيقة، فيرسم البورتريهات والأماكن والناس الحقيقيين، والزمن والتاريخ، انطلاقًا من إدراكه العميق لتاريخ المدينة ومعايشته لتحوّلاتها وبنائها وفضاءاتها على مدى سنين طويلة.
من لم يعش بمدينة مرتيل، أو حتى لم يزرها، لن يدرك ملامح هذه اللوحات ولا رموزها، لأنها لا تشير فقط إلى ما هو موجود، بل إلى ما يتخيّله الفنان ، وبالضبط، مما سمعه ورآه وعاشه في تفاصيلها الدقيقة. فمرتيل مدينة ساحلية، هي مدينة الثقافة والفن، غير أنّه — وبكل أسف — قد غُيّبت ثقافتها وفنّها، ولم يبقَ إلا قلة من المثقفين والفنانين يقاومون بمفردهم، ويصنعون مما تبقّى في الذاكرة والجسد تفاصيلَ تحفظ المكان من الاندثار والنسيان.
إن لوحات عبد الواحد أشبون تشع بخطوط وألوان مشبعة بعُمقٍ بصري، يتجلّى ذلك في مشهد مركبٍ بسيط، هو في أقصى تقدير مركب بحّارٍ فارغ. غير أن هذا الفراغ ليس خواءً، بل هو موتٌ مؤقت، يمكن تلمّسه في المياه الداكنة التي ترمز إلى توقف الزمن، بينما تومض الألوان الخضراء والبيضاء والصفراء والزرقاء كأنها أنفاس الضوء في لحظة هدوء الليل. هذا الضوء هو إيقاع النوارس، إيقاع التحرر والطيران، وهو العلامة الكبرى على الحياة. فالضوء حياة، كما أن الماء ذاته حياة، إذ يحددان معًا فكرتي الحركة والرغبة، أي القلب النابض بالوجود.
إن عبد الواحد أشبون يرسم بقلبه ونظره، ليصوغ رؤيةً للأشياء البحرية والطبيعية من خلال العمل الفني والتشكيلي، فيحدد الموجودات لا لأنها فقط وُجدت أو تُوجد، بل لأنها باقية ومترسخة في الذاكرة والجسد. إن الغيوم عنده ليست سوى ضوءٍ يمشي في السماء كما يمشي الدم في العروق، ومن هنا تتجلّى فرادة الجمال في لوحاته: فمهما كان هناك سكون، ثمة حركة، ومهما كان الصمت، ثمة صوت، ومهما خيّم الظلام، ثمة ضوء كالماء والدم، لأن الأصل لا يُعوض ولا يندثر.
في هذا المدى العميق، يشتغل فكر عبد الواحد أشبون التشكيلي المتفرّد، الذي يجعل من البحر مرآةً للروح، ومن اللون نَفَسًا للحياة، ومن اللوحة ذاكرةً نابضة بالحلم والوجود.
لوحة الفنان التشكيلي عبد الواحد أشبون