في لقاء حمل نبرة مختلفة، وجه رشيد الطالبي العلمي، أحد أبرز قيادات حزب التجمع الوطني للأحرار، رسائل مبطنة توحي برغبته في مغادرة الواجهة الانتخابية، وذلك خلال كلمته أمام مؤتمر الشبيبة التجمعية بالدار البيضاء. الطالبي قال عبارته المثيرة : “خصنا نمشيو بحالنا”، في إشارة اعتبرها كثيرون تمهيدا لانسحاب تدريجي وفسح المجال أمام الجيل الجديد داخل الحزب.
رغم سنوات من تمثيل تطوان داخل البرلمان، ظلت الحصيلة السياسية للطالبي محل انتقاد؛ فحضوره كان باهتا في الدفاع عن الملفات الكبرى للمدينة، كما لم يبادر إلى معالجة عدد من القضايا التي طالما انتظرها الرأي العام المحلي.
التطوانيون يتذكرون بمرارة أنه وخلال فترة توليه وزارة الشباب والرياضة، طوي ملف المشروع الكبير للمركب الرياضي بتطوان دون مقاومة أو تحرك جاد من طرفه، ما عمّق إحساس الساكنة بأن المدينة لم تكن ضمن أولوياته. وكأن الرجل لا يحمل تجاه المدينة سوى بطاقة عنوان انتخابية لا غير.
حتى حين وصل إلى رئاسة مجلس النواب، ظلت تطوان خارج أولوياته. لا مبادرات خاصة بالمدينة، ولا زيارات ولا دعم لمشاريعها، ولا حتى رسائل سياسية تعكس ارتباطا معنويا بمدينته التي كانت خارج المدن المحتضنة لمباريات كأس أمم أفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 بسبب فشل مشروع المركب الرياضي.
هذا الغياب المستمر يعزز القناعة الراسخة لدى الكثيرين بكون الطالبي العلمي لم يحمل تطوان معه إلى المؤسسات الرسمية، بل حمل البرلمان إلى تطوان فقط كان حين يحتاج إلى الترشح.
وحتى محاولتاه للفوز برئاسة جماعة تطوان في انتخابات 2009 و2014 انتهتا بالفشل، ليس بسبب أصوات الناخبين ، بل لأن الأحزاب الأخرى لم تكن تثق في التحالف معه وفضلت حزب العدالة والتنمية، مما قاد التجمع الوطني للأحرار إلى المعارضة لولايتين كاملتين. عدم الثقة هذا لم يكن معزولا عن غياب حضور محلي حقيقي وعن ضعف الارتباط بالميدان.
وحين نحلل المسار الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار بتطوان، نجد أن الطالبي لم يكن يمسك بخيوط الحملة أو القاعدة الشعبية بشكل مباشر. فالرصيد المجتمعي الذي يجب أن يحمله أي سياسي حقيقي كان شبه غائب لديه. وعوض ذلك، كان يعتمد كما يعرف كل من واكب الانتخابات المحلية على أشخاص آخرين هم من صنعوا الأصوات ومهدوا الطريق له للبرلمان مثل البكوري محمد، والحسيوتي، والمرحوم محمد الشرقاوي، وبوحراث الذي كان عنصرا أساسيا في جماعته القروية قبل أن يغادر نحو حزب الأصالة والمعاصرة.
هؤلاء وغيرهم كانوا واجهة العمل الانتخابي الحقيقي، بينما ظل الطالبي العلمي المستفيد الأكبر دون أن يبني شبكة مجتمعية خاصة به أو يترك بصمة واضحة وسط الساكنة.
رسائل الطالبي في لقاء الشبيبة تبدو جزءا من دينامية التجديد داخل الحزب. فإذا ما تأكد قراره بعدم الترشح في الاستحقاقات المقبلة، فإن الباب سيفتح أمام أسماء جديدة قد تعيد ترتيب موازين القوة بتطوان. ويبرز هنا اسم مصطفى البكوري كأحد المرشحين المحتملين لقيادة لائحة الحمامة في الانتخابات البرلمانية القادمة، نظرا لحضوره التنظيمي كرئيس لجماعة تطوان وعلاقته بالقاعدة المحلية.
سواء كان ما قاله الطالبي إعلانا غير مباشر عن انسحابه أو مجرد قراءة داخلية لمسار الحزب، لكنه قد يشكل بداية إعادة رسم المشهد السياسي للحزب بتطوان، ويفتح المجال أمام جيل جديد يسعى لإعادة بناء القاعدة الانتخابية ومصالحة الحزب مع انتظارات الساكنة.