تحت القائمة

جماعة تطوان في قفص الاتهام .. مدينة بلا مرافق صحية في زمن التحول السياحي

📝 عماد بنهميج / تطواني

بينما تعيش مدينة تطوان طفرة سياحية غير مسبوقة، وتستقبل موجات متنامية من الزوار من أوروبا وآسيا، تظل إحدى أبسط الخدمات العمومية ( المرافق الصحية ) غائبة عن المشهد الحضري. إن ما يحدث اليوم ليس مجرد نقص عابر أو ثغرة يمكن تجاهلها، بل هو تأخر واضح ومقلق يكشف عن فجوة كبيرة بين طموحات المدينة وواقع تدبيرها المحلي.

ويكتسي هذا النقاش راهنيته بالتزامن مع اليوم العالمي للمراحيض الذي يصادف 19 نونبر من كل سنة، وهو مناسبة دولية للتذكير بأهمية هذه المرافق ودورها في تعزيز الصحة العامة وكرامة المواطنين والسياح على حد سواء. ففي الوقت الذي تراجع فيه دول سياستها الحضرية وتوسع شبكات المراحيض العمومية انسجاما مع هذا اليوم، تجد تطوان نفسها في وضع محرج، إذ تفتقر إلى أبسط هذه المرافق رغم ما تعرفه من انتعاش سياحي لافت.

لقد أظهرت السنوات الأخيرة أن تطوان لم تعد مجرد نقطة عبور، بل صارت مدينة إقامة تستقطب أنواعا جديدة من السياح، وتنافس مدنا مغربية أخرى بفضل ما توفره من مؤهلات طبيعية وتراثية. ومع ذلك، تبقى جماعة تطوان متعثرة في إطلاق مشروع المراحيض العمومية، وكأن هذا الملف غير مدرج ضمن أولوياتها، أو كأن المدينة لا تطمح فعليا لاحتلال موقع بارز في خارطة السياحة الوطنية.

المفارقة صارخة، مدينة عتيقة مصنفة تراثا إنسانيا، ومؤهلات طبيعية خلابة، ورياض فاخرة تستقبل زوارا من كل القارات، لكنها في المقابل لا تتوفر سوى على مرحاضين عموميين يشتكي الجميع من محدوديتهما وشروط الولوج إليهما. وفي غياب أي رؤية جادة أو خطة عمل واضحة من المجلس الجماعي، يجد الزوار والسكان أنفسهم مضطرين إلى الاحتماء بالمقاهي والمطاعم لقضاء حاجاتهم الأساسية، في مشهد لا يليق بمدينة تسعى إلى تعزيز مكانتها السياحية.

وتشتد المفارقة حين نرى مدنا مغربية أخرى تسابق الزمن لتحديث خدماتها، فالدار البيضاء أنجزت مراحيض عمومية حديثة موزعة على مواقع استراتيجية داخل المدينة، فيما طنجة تستعد لإطلاق المرحلة الأولى من برنامج يشمل ثمانية مراحيض ذكية. وبينما تتقدم هذه المدن بخطوات واضحة نحو تحسين جودة خدماتها العمومية، تظل تطوان متأخرة عن الركب دون أي مؤشرات على تغيير قريب.

إن هذا التقاعس الإداري، أو هذا التباطؤ في تنزيل مشاريع بسيطة من حجم بناء مرافق صحية لائقة، يسيء لصورة المدينة ويعرقل ديناميتها الاقتصادية. فهل من المعقول أن تحلم تطوان بجذب الآلاف من السياح الجدد بينما تعجز عن توفير بنية صحية تحفظ كرامة الزائر والمقيم. وهل يعقل أن تظل جماعة بحجم تطوان عاجزة عن تبني حلول بديلة ولو مؤقتة، كالمراحيض المتنقلة المعتمدة في كبريات المدن السياحية عبر العالم.

إن تأخر جماعة تطوان في إخراج مشروع المرافق الصحية لم يعد مجرد تقصير، بل أصبح علامة على خلل في ترتيب الأولويات، وغياب إدراك حقيقي لمتطلبات السياحة الحديثة وجودة العيش داخل المدينة. وإذا كانت تطوان تطمح فعلا إلى أن تتحول إلى قطب خدماتي وسياحي، فإن عليها أن تبدأ من الأساسيات وأولها مرافق صحية عمومية تليق بمدينة تحمل لقب الحمامة البيضاء.

لقد آن الأوان أن تدرك الجماعة أن تحسين صورة المدينة لا يتم فقط عبر الترويج الإعلامي أو تزويق الساحات، بل بإنجاز مشاريع بسيطة وملحة، من شأنها أن ترفع عن تطوان هذا الخلل المزمن، وتمنحها المكانة التي تستحقها في المشهد السياحي الوطني والدولي.

تحت المقال