تحت القائمة

تطوان بين يدي العُمران.. تفويض جماعي يثير أسئلة الشفافية والكلفة

📝 عماد بنهميج / تطواني

تعيش مدينة تطوان لحظة حاسمة في مسارها التنموي بعد قرار الجماعة الترابية تفويض الإشراف المنتدب على عدد من مشاريع التهيئة الحضرية لشركة العمران. قرار قد يبدو تقنيا في ظاهره، لكنه في العمق اختيار سياسي ومالي يؤثر مباشرة في مسار المدينة وفي سؤال الحكامة، ويستدعي نقاشا صريحا حول جدواه وكلفته وارتباطه بملاحظات المؤسسات الرقابية الوطنية التي شددت مرارا على مخاطر هذا النوع من التفويض إذا لم يبن على أسس واضحة وتقييم دقيق لقدرات الجماعة.

المجلس الأعلى للحسابات والخزينة العامة للمملكة نبّها في أكثر من تقرير إلى أن اللجوء المستمر للإشراف المنتدب يمكن أن يؤدي إلى تضخم الكلفة النهائية وضعف التحكم في المشاريع وتشتت المسؤوليات بين المفوّض والمفوّض إليه.

لكن بدل معالجة النقص في التنظيم الداخلي وتعزيز الموارد البشرية، اختارت جماعة تطوان الطريق الأسرع. تفويض الإشراف على تهيئة الأحياء ناقصة التجهيز لشركة العمران. ورغم أن العمران مؤسسة وطنية ذات خبرة، فإن سجلّها في مدن أخرى ليس دائما خاليا من الملاحظات؛ فقد تكررت التأخيرات، وظهرت تفاوتات بين الكلفة التقديرية والنهائية، وأثيرت أسئلة حول شفافية التتبع والمراقبة. وهي تجارب موثقة يدركها المتتبعون، وتجعل من الضروري التساؤل حول مدى استعداد تطوان لتفادي الأخطاء المتكررة في هذا النوع من المشاريع.

ويزداد النقاش راهنية حين نعلم أن شركة العمران ستتولى التدبير الكامل للميزانية المخصصة لمشروع التهيئة، والتي تفوق 500 مليون درهم، وستحصل مقابل ذلك على نسبة 3% كأتعاب نظير الإشراف والتسيير. أي أن الشركة ستجني ما يقارب 15 مليون درهم كتعويضات مرتبطة بالتدبير، وهي كلفة إضافية لا تتحملها الجماعة في حال التدبير المباشر للمشاريع. وهذه المعطيات المالية تجعل الحاجة إلى الشفافية أكبر، بخصوص تفاصيل الاتفاقية ومنهجية التتبع وتقييم الكلفة قبل الحسم في قرار التفويض.

السؤال الذي يفرض نفسه في هذه الحالة هو: هل سيشكل هذا التفويض خطوة فعالة نحو تسريع التنمية؟. أم أنه سيعيد المدينة إلى دائرة التجارب المكلفة لميزانية الجماعة مثلما هو الحال مع قطاعات التدبير المفوض؟

الجواب لا يكمن فقط في الأداء، بل أيضا في الكلفة غير المرئية. فالإشراف المنتدب يحمل معه أتعابا مالية إضافية، وهي مصاريف لا تظهر للعموم لكنها تؤثر في الميزانيات النهائية للمشاريع. ويطرح هنا استفسار حول ما إذا كانت هناك دراسات مقارنة تبين بوضوح أن خيار التفويض يشكل فعلا اختيارا أنجع من الإشراف المباشر، وما إذا كانت هذه الدراسات تظهر فعليا تفوق التفويض من حيث الكلفة والفعالية وفقا لما يقتضيه القانون.

الأكثر من ذلك، ربما سيشعر العديد من المهندسين والتقنيين داخل الجماعة بأن قدراتهم تُهمَّش، رغم أن العديد منهم قادرون على تتبع جزء مهم من المشاريع الحضرية لو توفرت لهم الظروف الإدارية واللوجستيكية اللازمة. وهذا التوجه لا يضعف فقط استقلالية قرار الجماعة، بل يخلق اعتمادا دائما على مؤسسات خارجية، ويحرم الإدارة المحلية من بناء خبرة تراكمية تمكنها من قيادة المشاريع بنفسها.

أمام هذا الواقع، تصبح الحكامة جوهر النقاش. فالسرعة في تنفيذ المشاريع مطلوبة، لكن ليس على حساب المال العام ولا على حساب وضوح المسؤوليات. وإذا كان الهدف الحقيقي هو تطوير الأحياء ناقصة التجهيز، فإن نجاح التفويض لا يتوقف على اسم وسمعة الشركة المفوّضة، بل على وجود إطار واضح للمراقبة، وشفافية في القرارات، ونشر للمعطيات، وتفاعل مستمر مع الرأي العام.

إن تطوان لا تحتاج فقط إلى مشاريع تنجز، بل إلى ثقة تبنى. ولا يتحقق ذلك إلا حين تكون القرارات الكبرى مثل تفويض الإشراف على مشاريع التهيئة الحضرية مبنية على معطيات منشورة في موقع الجماعة ودراسات واضحة وتواصل مؤسساتي مسؤول. أما في غياب ذلك، فإن التفويض مهما كان مبرره سيظل موضوعا مفتوحا للتساؤلات المشروعة.

تحت المقال