تحت القائمة

تهافت “صناع التفاهة” .. عبث رقمي يسيء لصورة المغرب في المحافل الكبرى

✍️رأي حُرّ .. عماد بنهميج

لا يمكن لأي متابع للمشهد الإعلامي والرقمي في المغرب أن يغض الطرف عن ظاهرة باتت تتكرر في كل مناسبة وطنية كبرى تتعلق بالتوسع غير المنضبط لما يسمى بـ”المؤثرين” وصناع ” التفاهة ” الذين تحولوا في وقت قياسي إلى ضيوف دائمين في مباريات المنتخب الوطني إو السفريات الرسمية والفعاليات الدولية. ظاهرة لا تثير فقط السخرية، بل تفتح الباب أمام تساؤلات أعمق حول المعايير التي يتم بها اختيار الوجوه التي تمثل البلاد إعلاميا.

المنصات الرقمية منحت فرصا واسعة للجميع، وهذا في حد ذاته إيجابي، لكن الخطير هو صعود محتوى قائم على الابتذال والسطحية ليتحول إلى بوابة امتيازات رسمية. ففي الوقت الذي يفترض فيه أن تحظى هذه الاستحقاقات بتغطية احترافية من طرف صحافيين وإعلاميين مؤهلين، يجد الرأي العام نفسه أمام مشاهد غريبة لوجوه لا علاقة لها بالمهنة، تتصدر المشهد وتحتكر عدسات الكاميرات. والنتيجة صورة مشوهة للمغرب تنقل إلى الخارج عبر عدسات غير مؤهلة، تهتم بالفرجة أكثر مما تهتم بالخبر.

لقد فتح الانتشار الكبير للمحتوى الهابط على وسائل التواصل الاجتماعي الباب أمام فئة لا تحترف سوى الإثارة السطحية، لتستغل كل مناسبة وطنية أو رياضية أو ثقافية من أجل خلق حضور وهمي والتقاط صور لا تضيف أي قيمة، بل تمنح المتربصين فرصة للنيل من صورة المجتمع المغربي وتشويه سمعة البلاد.

المؤسف أن هذا التوجه يتزامن مع تهميش منهجي لصحافيين مهنيين بذلوا سنوات من العمل الميداني في ظروف صعبة، واكتسبوا تجربة تمكنهم من تغطية الأحداث بصيغة تحترم المشاهد وتحفظ صورة الوطن، وإقصاء هؤلاء لصالح أسماء لا تمتلك أي خلفية مهنية ولا أخلاقية إعلامية، يطرح أكثر من سؤال حول معايير الاختيار، وحول الهدف الحقيقي من استبدال الإعلامي المتخصص بمؤثر يقتات على الضجيج الافتراضي.

إن المناسبات الكبرى، وخصوصا المرتبطة بالمنتخب الوطني، ليست مجالا لخلق “فرجة موازية” عبر مشاهد المؤثرين، بل هي مساحة يجب أن تعكس أفضل ما في المغرب من كفاءات إعلامية قادرة على نقل الصورة بصوت محترف ومسؤول.

إن الحملة التي أطلقتها السلطات في المغرب ضد صناع المحتوى التافه خطوة مهمة وضرورية، لكنها لن تكتمل ما لم تمتد لتشمل المنظومة التي تسمح بترقية التفاهة على حساب المهنية. الرهان اليوم هو إعادة التوازن بين الإعلام الحقيقي وصناعة الوهم، لأن الدول التي تحترم نفسها لا تسمح بأن يمثلها من يلهث وراء شهرة عابرة، بل من يفهم معنى الرسالة الإعلامية ويقدّر قيمتها.

تحت المقال