بين صرامة “الكاف” وعجز الجامعة.. من يفرض النظام في الملاعب المغربية؟
✍️ عماد بنهميج / تطواني
مع اقتراب موعد نهائيات كأس أمم إفريقيا المغرب 2025، كشف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم عن حزمة من الإجراءات التنظيمية الصارمة الخاصة بولوج الجماهير إلى الملاعب، في خطوة تعكس رغبة واضحة في تقديم نسخة منضبطة وآمنة تليق بأكبر تظاهرة كروية في القارة. غير أن هذه الصرامة تفتح، في المقابل، نقاشا حقيقيا حول واقع التنظيم داخل الملاعب المغربية، وحدود قدرة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والعصبة الاحترافية على فرض القواعد نفسها خلال المنافسات المحلية.
الكاف وضعت قواعد لا تقبل التأويل: منع القاصرين دون 16 سنة من الولوج دون مرافقة، إلزامية التذكرة لكل فرد مهما كان عمره، ومنع إدخال قائمة طويلة من المواد الخطيرة أو المزعجة، في مقدمتها الشهب الحارقة والقنابل الدخانية ومؤشرات الليزر وكل ما قد يهدد سلامة الجمهور أو يعطل سير المباريات.
في المقابل، تعيش الملاعب المغربية واقعا مغايرا تماما. فالشهب الحارقة، التي تعتبرها الكاف خطرا أمنيا حقيقيا، تحولت محليًا إلى “فرجة عادية”، بل وتسببت في توقيف مؤقت لعدد من المباريات دون أن يواكب ذلك أي تشديد فعلي في الإجراءات. ورغم خطورة هذه السلوكيات، يظل الرد الرسمي غالبا محتشما، يقتصر على غرامات مالية تُفرض على الأندية، في حين أن هذه الأخيرة ليست الجهة المسؤولة عن التفتيش أو التدابير الأمنية داخل الملاعب.
الأخطر من ذلك، أن عجز الجامعة والعصبة عن تدبير ملف فصائل الألتراس ساهم مع مرور الوقت، في تغوّل هذه الفئات داخل الملاعب، إلى حد باتت تعتبر فيه نفسها فوق الإجراءات الأمنية والعقوبات التأديبية. فقرارات المنع، والغرامات، والبلاغات التحذيرية، لم تعد تشكل رادعا حقيقيا، بل زادت من ترسيخ قناعة لدى بعض الفصائل بأن استعمال الشهب الحارقة خط أحمر لا يمكن المساس به، باعتباره جزءا من “الهوية” و”الفرجة”.
هذا الوضع خلق، في المقابل، صراعا غير معلن بين فصائل الألتراس، عنوانه: من يشعل أكثر؟ ومن يفرض صورته الأقوى داخل المدرجات؟ لتتحول الشهب من عنصر تشجيع إلى أداة استعراض وتحد، ليس فقط للسلطات الأمنية بل حتى للقوانين الرياضية نفسها.
وإذا كانت الكاف قادرة على فرض هذه الصرامة خلال كأس إفريقيا فوق التراب المغربي، فإن السؤال الجوهري يبقى مطروحًا: لماذا لا تفرض القواعد نفسها في البطولة الاحترافية؟ هل الأمر يتعلق بغياب إرادة حقيقية لدى الجامعة والعصبة لفتح مواجهة تنظيمية وقانونية مع واقع بات يخرج عن السيطرة؟
الواقع أن نجاح “كان 2025” تنظيميا لن يكون ذا معنى، إذا استمرت ازدواجية المعايير داخل الملاعب المغربية، فالأمن والانضباط لا يمكن أن يظلا استثناء مرتبطا بتظاهرة قارية، بل يجب أن يتحولا إلى ثقافة تدبير يومية، تطبق على الجميع دون استثناء، مهما كانت قوة الفصائل أو حجم الضغط الجماهيري.
كأس أمم إفريقيا قد تكون فرصة حقيقية لإعادة ضبط البوصلة، ليس فقط على مستوى البنية التحتية، بل أساسا على مستوى سلطة القرار داخل الملاعب: من يحكم؟ القانون أم الأمر الواقع؟. والجواب عن هذا السؤال هو ما سيحدد مستقبل الفرجة الكروية في المغرب، بعد إسدال الستار على “كان 2025”.