تحت القائمة

قصة السبت .. حارس الغابة

يوسف خليل السباعي/ تطواني

منذ أن خرج عبد السلام حارس الغابة من مستشفى الأمراض العقلية، وهو يمشي حافي القدمين في شارع البحر، كان رئيس الجماعة سماه كذلك، وهو يقول بصوت مرتفع:
– 《غابتي أكلوها! وبطة أخذوها!》.
كان البشر ينظرون إليه ويضحكون.
– 《على ماذا تضحكون يا أولاد الكلاب》.
يلتقط حجرة من التراب ويضرب بها في الهواء… فيسقط على وجهه الذي يغمره التراب والغبار.
هكذا كان يرد على نظراتهم وضحكاتهم، ويتابع خطواته بسرواله المقطوع وقميصه الأصفر القذر في شارع البحر.
يحكي عبد الرحيم حارس الحدائق الحمراء صديق عبد السلام:
– 《عندما كان عبد السلام يشعر بالضجر. كان يترك الغابة وينزل إلى البحر، يرتمي في غوره كالأخرق ويحلم بالبط الأبيض يسبح معه.
كانت بطة تأتيه في الأحلام. كان يحبها بعمق ويغني لها ” بأمر الحب…” التي كان يسمعها في الراديو أيام الحراسة بالليل وبالنهار. لكن بطة لم تلتقي به إلا بضع مرات… وقد تزوجت من الفقيه عبد القادر لأنه كان يملك عمارتين وأرضا بالقرب من كلية الآداب》.
بقي عبد السلام بعد سماعه زواج بطة من الفقيه عبد القادر يمسك برأسه ويضربه مع الشجرة حتى يسيل منه الدم وهو يصرخ:
– يابطة… ياليتني لم أعرفك ولم أحبك… يابنت…
يظل طوال النهار سائرا من شجرة إلى أخرى وهو يصرخ. وفي مرة راح إلى منزل الفقيه عبد القادر. أراد أن يقتحم البيت بالقوة ليرى بطة من حرقة الشوق فعلم الفقيه بالأمر واشتكاه لأصدقائه الضباط في الشرطة فألقوا عليه القبض وحرروا له محضرا بعد أن أشبعوه صفعا وركلا، ثم أرسلوه بتقرير شامل إلى مستشفى الأمراض العقلية.
في ليلة قمرية، بعد أن أكل الفقيه دجاجة محمرة وشرب عصير فاكهة الكشمش الذي مزجه بالماء طلبت بطة منه أن يتدخل… للإفراج عنه من المستشفى… ظل الفقيه يفكر في الأمر… ولم يرد… وبعد مرور سنوات تدخل… فأفرج عنه…
راح عبد السلام إلى غابته… لكنه فوجئ بأنها تحولت بكاملها إلى بنايات زرقاء وحمراء شاسعة فسقط على الأرض…
عندما اقترب منه عبد الرحيم كانت روحه صعدت إلى السماء… وعندما لمس قدميه أحس ببرودتهما.
نهض عبد الرحيم… تمشى قليلا وهو يلعن في نفسه من كان السبب.

● اللوحة للرسام الفرنسي غوستاف كوربي

تحت المقال