تحت القائمة

تطوان تنصت للشعر .. ليلة تعيد للقصيدة معناها الجماعي

متابعة: يوسف خليل السباعي/ تطواني

لم يكن مساء الجمعة التاسع عشر من دجنبر 2025 موعدًا ثقافيًا عابرًا في تطوان، بل لحظة شعرية كثيفة الدلالة، تحوّل فيها المركب الثقافي عبد الخالق الطريس إلى فضاء للإنصات العميق للكلمة. ضمن “ليالي الشعر” التي تنظمها دار الشعر بتطوان.

جاءت هذه الليلة في سياق الشراكة المتواصلة بين دار الشعر بتطوان وجمعية قدماء المعهد الحر، وهي شراكة لا يمكن التعامل معها بوصفها مجرد تنسيق مؤسساتي، بل كخيار ثقافي واعٍ أسهم، منذ انطلاقه، في ضخّ نفس جديد داخل المشهد الثقافي المحلي.

الأمسية جمعت ثلاثة أصوات شعرية تنتمي إلى أجيال وتجارب مختلفة، غير أنها تلتقي عند وفائها للقصيدة المغربية وانفتاحها الجمالي. نجيب خداري حضر بوصفه أحد الأسماء المؤسسة في الشعر المغربي الحديث، شاعرًا وفاعلًا ثقافيًا راكم تجربة طويلة في مواكبة الأجيال، سواء عبر إشرافه على الصفحات الثقافية لجريدة العلم أو من خلال رئاسته السابقة لبيت الشعر في المغرب. في كلمة مراد القادري، لم يُقدَّم خداري باعتباره شاعرًا فقط، بل باعتباره شاهدًا وفاعلًا في تحولات القصيدة المغربية، وهو ما انعكس على نصه الشعري الذي يزاوج بين الوعي النظري والانفتاح على التجريب.

إلى جانبه، جاء عبد الحق بن رحمون من شفشاون، شاعرٌ جعل من الشعر فعل استمرارية وحراسة للمعنى. تجربته لا تنفصل عن التزامه الثقافي داخل جمعية أصدقاء المعتمد، وسهره المتواصل على ديمومة المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث، الذي تجاوز طابعه الاحتفالي ليغدو مؤسسة شعرية حقيقية، أسهمت في بروز أسماء وازنة داخل المشهد الشعري المغربي. تقديم الصحفي طارق الشعرة لبن رحمون استحضر صداقة تمتد لأزيد من ربع قرن، وسفريات وتجارب مشتركة، قبل أن يختزل هذه المسيرة بعبارة دالة: عبد الحق بن رحمون لم يعد في حاجة إلى كتابة دواوين جديدة، لأنه أصبح هو نفسه “القصيدة الجميلة المتنقلة”.

أما نسرين بلعربي، فقد منحت الأمسية بعدها المتوسطي واللغوي المختلف، باعتبارها واحدة من الأصوات المغربية التي تكتب الشعر باللغة الإسبانية. حضورها كان تذكيرًا بأن الشعر المغربي ليس حبيس لغة واحدة، بل فضاء مفتوح على التعدد اللغوي والثقافي. من تطوان، المدينة التي كانت مهدًا للحداثة الشعرية العربية وعاصمة للشعر المتوسطي، تواصل بلعربي كتابة قصيدتها بلغة لوركا وسيرفانتيس، ضمن تقليد شمالي عريق جمع، منذ بدايات القرن الماضي، بين الشعريتين العربية والإسبانية.

قاد هذه “السفينة الشعرية” مخلص الصغير، مدير دار الشعر بتطوان، الذي ظل وفيًا لمشروعه الثقافي، مؤمنًا بأن القصيدة فعل حياة وحوار، لا مجرد نص يُقرأ. كما تحوّل اللقاء إلى مناسبة للقاء الأصدقاء والفاعلين الثقافيين، من بينهم العربي الهروشي، مراد القادري، عزيز زوكار، محمد بوزباع ويوسف خليل السباعي، في مشهد يعكس ما يفتقده كثير من الفعاليات الثقافية: الدفء الإنساني.

تحت المقال