تحت القائمة

قصة السبت .. إيموجي يبكي بالضحك

القاص : يوسف خليل السباعي

كان القمر يشع وسط السماء. أنظر إليه من نافذة غرفة ضيقة في منزل قديم. أحسست بالملل وكان الوقت يمر ببطء. وعندما نظرت إلى الساعة المعلقة على حائط الصالون الأزرق لم تكن تتحرك وكانت أرقامها جامدة كالإيموجي. جلست إلى حاسبي الآلي وشرعت في كتابة شذرات من حياة هاربة على حائطي في ال” فيسبوك”، وفي اللحظة التي كنت أقوم بترقيم عناوين الشذرات بدءا من رقم 1 كان الرقم يتحول بلا إرادة إلى إيموجي يبكي بالضحك ما أن أقوم بنشره كما لو أن يدا خفية تحوله. استغربت في أول الأمر، وسألت نفسي:” ما هذا؟ ولماذا يقع هذا التحول؟”. لم أفهم شيئا. مسحت الرقم وأعدت كتابة رقم 1 وأنا مندهش، وانتظرت ماسيؤول إليه الأمر، ثم انتقلت إلى عملية النشر، إلا أن لاشيء تبدل، هو ذاته إيموجي يبكي بالضحك، أما الرقم1 فلا يظهر بتاتا كما لو أنه غيمة تحجب اللاشيء. حينئذ وأنا أنظر إلى الساعة بأرقامها الجامدة فكرت في الانتقال إلى ترقيم عنوان الشذرة الثانية فكتبت رقم 2، لكن لاشيء تبدل، فإيموجي يبكي بالضحك هو ذاته بفمه المفتوح وعيونه الدامعة. وهكذا أعدت كتابة الأرقام حتى وصلت إلى الشذرة بعنوانها رقم 20 ولا شيء تبدل. لم أعثر على أي حل، وسألت نفسي:” لماذا لا أستشير بعض الأصدقاء المتخصصين في الإيموجي والذين لايولون أهمية للغة بأن يساعدوني في الخروج من هذا المأزق حتى أستطيع وبإرادتي من ترقيم عناوين شذراتي؟”. بيد أنني أحجمت عن ذلك حتى لا أكون عرضة لضحكاتهم، بل إن منهم من سيضحك علي حتى البكاء. وأنا أعرف هذا النوع من الضحك، والذي هو في الحقيقة ضحك كالبكاء.

استغرق الوقت مني وأنا أفكر في هذا الموضوع ليلة برمتها وبقيت جالسا لا أتحرك أمام حاسبي الآلي حتى انبلج الصبح حيث انتشرت خيوط الشمس من النافذة. في ذلك الوقت، نفذت إشراقتها إلى عيناي الغائمتان، ففكرت في البحث عن كلمة إيموجي. وبعد بحث مضن توصلت إلى مقال مكتوب بالفرنسية بعنوان” رولان بارت يركب على التروتينيت”. استغربت في أول الأمر من عنوان هذا المقال، إلا أنني عندما رأيت صورة لرولان بارت وهو يركب على التروتينيت ضحكت. فكرت، وقلت في نفسي:” من الأكيد أنني سأعثر على شيء لم يكن يخطر على بالي”. وبالفعل قرأت المقال الشذري بالفرنسية باهتمام بالغ، فعثرت على شذرة بعنوان ” إيموجي يبكي بالضحك”. أعجبني المقال فترجمته كاملا، وأنا متوقف عند الشذرة المعنية لفت انتباهي شيء لم يخطر على بالي:” الاهتمام، هجوم القلق! أي عقل مريض يمكن أن يخترع إيموجي “يبكي بالضحك”، والفم المفتوح بشكل مفرط، والعينان الدامعتان، واحتقان الدماء تقريبًا من الفرح؟ نحن نلمس شيئًا وجوديًا تقريبًا. يقول فلوريان زاسلافسكي: “من الواضح أن إيموجي يتدحرج على الأرض، ويبكي من الضحك، هي صرخة طلبًا للمساعدة”.

تلاحظ سيليا هيرون Célia Héron: “الأمر كما هو الحال في مجموعات واتساب WhatsApp العائلية: سيختار الآباء بدلاً من ذلك في المحمية إيموجيات هستيرية”. الإيموجي لها أيضا “semio”. وبصورة أساسية، ما الذي يظهر هناك، وفقًا لسيليا هيرون، إنه “هو الجدل الأبدي: إفقار اللغة أم لا؟ يضفي الإيموجي فارقًا بسيطًا على الرسالة، فهو عبارة عن علامات ترقيم جديدة تقريبًا. “والتي في بعض الأحيان، على عكس الشرطات والفاصلة المنقوطة، يمكن أن تسبب الخوف، كما يشير المؤلفان:” في يوم من الأيام سيتعين علينا التحدث عن إيموجي المهرج: إنه وحشي! “. “إضافة الأسطورة إلى الأسطوريات”.

وهكذا، وبعد ليلة بيضاء، وبحث مضن وترجمة، أدركت أن إيموجي يبكي بالضحك هو نحن.

▪ الصورة الرئيسية : رولان بارت يركب على التروتينيت

تحت المقال