اليوم الجو بارد؛ قررت في أول الأمر أن لا أخرج من المنزل وهو قرار يمكن أن أتراجع عنه، فقررت أن أخرج؛ إنه يقع قريبا من بناية مدرسية قديمة وأرض قديمة مليئة بالنفايات والأزبال والكلاب والقطط و النوارس التي كانت تتجمع على النفايات والأزبال،ثم، تحلق عاليا وكأنها لم تكن موجودة. وما أن اختفت النوارس حتى خرجت الكلاب تجري بشكل همجي تاركة صدى نباحها… ثم، تبعتها القطط التي تفرقت في اتجاهات مختلفة. وعلى مقربة من الأرض القديمة الفارغة وجدت منذ القدم حاوية قمامة مليئة بالأزبال المتفرقة والمختلطة وكهلا يرتدي ملابس رثة يفتش في الحاوية وينبش ثم ينتقي بشبه عصا حديدية ما يتوخاه من أغراض وأشياء ملوثة تصعد منها روائح كريهة، بيد أن الرجل لايبالي لا بالروائح، لاعتياده عليها، ولا بأحد؛ راح مفتش النفايات والأزبال وهو يجر كروسته المنتفخة السمينة رائيا الطريق الطويلة حيث يوجد مسجد أزرق قديم يخرج منه المصلون الذين صلوا صلاة العصر وكانوا يبتسمون بغرابة ويتكلمون بأسنانية حادة وهم يرتدون أحذيتهم المختلفة الألوان والأحجام، بيد أن رجلا بقي واقفا حافي القدمين بالقرب من باب المسجد وحذاءه أمامه ينتظره ليرتديه… كان أحد المصلين قرب لسانه إلى أذنه اليسرى وأهرق فيها سمومه، لايدري أحد ماذا قال له.
ما أن سمع الرجل كلامه حتى أضحى محياه أصفرا كقط ضائع!
وتساءلت في سري: ماذا أفعل حينئذ؟! لأنه كان لابد لي أن أعرف لماذا ضاع الرجل.
مرت ثلاثة شهور.
وأنا أمر من أمام المسجد الأزرق رأيت الرجل الواشي، فاقتربت منه، وقلت له: هل تسمح لي بأن أسألك؟
قال الرجل: يمكن لك ذلك، إلا أنني أنتظر الآذان لأصلي صلاة المغرب، فلا أريد أن أتأخر عن أداء الصلاة في وقتها.
كان الناس حينئذ يدخلون أفواجا إلى المسجد.
سألته:
– ماذا قلت له؟
– من؟
– الرجل المسكين!
– إن امرأته عادت من الموت!
– لم يصدق ذلك! لهذا… ضاع!
– الحقيقة أنني أعرف الرجل وزوجته. كانت امرأة سمينة وقوية، وفي صحة جيدة، إلا أنها كانت تنتابها حالة الصرع، وفي يوم بارد سقطت بعد نوبة صرع وغابت عن الوجود، فاعتقد الرجل أنها ماتت، لكنها لم تكن قد ماتت حقيقة. كان الرجل يرغب في موتها، لكنها عادت من الموت.
في ذلك الوقت، سمعنا صوت المؤذن.
عندما دخل الرجل ليصلي، ظللت واقفا أمام باب المسجد أفكر في حكايتها.