تحت القائمة

قصة السبت .. رجل الجلابة المرقعة الذي لا إسم له

يوسف خليل السباعي

كان يجوب المدينة رائيا صامتا لاغير، وكان سكانها يعرفونه، لكنهم لم يكونوا يبالون به؛ كل واحد كان يراه كما يشاء وانطلاقا من تفكيره وتخييله؛ لم يكن هذا الرجل يملك أي إسم وكان يرتدي جلابة مرقعة بخيوط صفراء ورمادية وسوداء وزرقاء، تجعل منه رجلا آت من قرية بعيدة أو مدينة بعيدة، أو بلا مبالغة خارجا من كهف بعيد.

لما تتأمل محيا الرجل عن قرب ترى أنه يرتدي عمامة بيضاء لا تبرز منها أي خصلة شعر، ولهذا لن يعرف أحد هل شعر رأسه أصفر مرقع بخيوط الشمس أم أسود كشعر الحصان الأبيض الذي كان يتركه صاحبه تائها في الأرض الشاسعة التي لم تكتشفها طبقة العقار لتجعل منها بنايات أو عمارات أو إقامات كما فعلت مع أراضي أخرى.

كانت خيوط الشمس عندما تقترب من جلابته تلمع كما لو أنها ذهبية، لكن سرعان ما ينطفئ لمعانها وتعود لسوادها وألوانها الأخرى.

شيء واحد كان يلمع في محيا الرجل الذي لا إسم له هو لحيته البيضاء، وكانت لحية ناصعة تمنحه مهابة وسموا ووقارا، إلا أن لا أحد عرف من يكون الرجل، فالرجل يجوب المدينة رائيا صامتا لا غير.
لم يراه أحد يوما ممسكا كتابا ولا قفة ولا حقيبة جلدية… ولا أي شيء.
كانت يده اليمنى خاوية، ويده اليسرى يحركها ببطء… كما لم يراه أحد جالسا في مقهى من المقاهي أو مطعم من المطاعم أو حانة من الحانات.

قال بعض الطفيليين الذين يذهبون للأعراس طمعا في أكل البصطيلة واللحم البقري إنهم لم يلاحظوا أبدا أنه حضر عرسا أو دخل فندقا أوزار حديقة أو تفرج على فيلم، بيد أن جماعة من رواد المقاهي بالمدينة قالوا إنهم رأوه واقفا أمام السوق المركزي يراقب بائعي الحمام والسمان! ولم يفهموا لماذا يراقبهم حيث كرروا هذا السؤال، لكن الرجل صامت ولايتكلم!

وفي مرة رأوه واقفا أمام نادي المدينة الثقافي يستمع لمحاضر يتكلم عن الألفة والغرابة في المدينة فأخرج من جيبه دفترا صغيرا بحجم الكف وبدأ يسجل… ولم يعرفوا ماذا سجل فيه، وهكذا أضحى سكان المدينة يتحدثون عن الرجل ناعتين إياه بالمخبر، و قالوا كلاما أشد وأبلغ.

ولم يعرف سكان المدينة المثرثرون أي منزل يقيم فيه الرجل الذي لا إسم له وعلى الرغم من أنهم شكلوا فرقا لتتبع خطواته بالمدينة، لم يعثروا على المنزل ولا على أي أثر له.

ومرت عشر سنوات، وعاد الرجل إلى المدينة يجوبها بنفس الجلابة المرقعة بتلك الخيوط… إلا أن لا أحد سأله من أي قرية جاء أو أي مدينة، ذلك أن المدينة يقطنها اليوم سكان جدد.

تحت المقال