تحت القائمة

الصحفي الذي يستعمل اليوتيوب

يوسف خليل السباعي

الصحافة والإعلام دوكسا، سيرورة وصيرورة ولن يستطيع أي أحد أن يشدد الخناق عليهما، فحرية التعبير والرأي مكفولة للجميع وحق من الحقوق ومن جوهر الديمقراطية. هذا ما ينبغي إدراكه وفهمه.
إن لاشيء ولا أحد يجعل من الصحفي والإعلامي غير مستقل، وحر، وله الحق في التعبير والرأي. ولكن الصحفي والإعلامي لهما مهام وأدوار محددة.

ماهي الأدوات التي يشتغل بها وفيها الصحفي والإعلامي، وهي أدوات تقليدية، وهي الصحيفة الورقية، التلفزيون والإذاعة، وبعد الهبة التكنولوجية الحديثة ومع الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بما فيها الفيسبوك والتويتر واليوتيوب والأنستغرام والتيك توك و غيرها بدأنا نرى خروجا للمواقع الإلكترونية التي تشتغل بشكل صحفي وإعلامي مستعملة هذه الشبكات كوسيلة للنشر والتواصل مع تخصيص صفحات فيسبوكية لها، وكذلك رأينا وجود صحف ورقية مكتوبة تخلق مواقع إلكترونية خاصة بها.

وإذن، كيف يمكن النظر اليوم إلى الصحافة والإعلام والتواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي؟ لاينبغي أن ننسى أبدا أن بعض الوزارات والمؤسسات والمصالح التابعة للدولة (ورئاسة الحكومة هي الأخرى) لديها أقسام اتصال ذات طابع صحفي وإعلامي ويشتغل بها صحفيون وغيرهم ( ليس الأمر معمما) أو بعض الشركات لها أيضا أقسام اتصال؟! ولها صفحات فيسبوكية. لا يمكن النظر إلى الصحافة والإعلام إلا كوسائل اتصال وتواصل، من حيث الاعتماد على مصادر ومعلومات ووقائع وأحداث، وأن الصحافة بشكل عام تستند في أعمالها وأدواتها في ارتباطها بالمجتمع على توصيل الأخبار والوقائع والأحداث، إلا أن ما يجعل الصحافة المكتوبة هي الأصل هو أنها صحافة تشتغل في إطار أجناس صحفية ثابتة لا يمكن تغييرها، ولكل صحيفة خط تحريري، هذا هو أساسها. إننا فتحنا أعيننا فوجدنا الصحيفة الورقية والإذاعة والتلفزيون وهي وسائل صحفية وإعلامية لها ارتباط مباشر وجوهري بالرأي العام، ثم جاءت فيما بعد شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.

الآن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة: هل يمكن للصحفي والإعلامي أن يستعمل هذه الشبكات التواصلية الاجتماعية في إطار شخصي أو تابع لصحيفته أو موقعه؟ لا أحد يسمح ولايسمح هنا فالمسألة تتعلق بالحرية الشخصية وبالدمقرطة، ومادام هناك فراغ تشريعي وقانوني بالنسبة لشبكات التواصل الاجتماعي، وأن الصحفي والإعلامي مثلهما مثل جميع المواطنين، فالصحيفة والموقع مرخص لهما ومبحوث فيهما ومعهما، أما الفيسبوك والتويتر اليوتيوب والأنستغرام والتيك توك فهي بوابة مفتوحة للجميع، وليس ذلك ينطبق على الصحيفة والإذاعة والتلفزيون مع اختلافات وسائلهم التواصلية.

إن الصحفي له الصحيفة أو الموقع، وقد يكون له استعمالات في الفيسبوك واليوتيوب مثلا، ولكنه لايعي بأن الفيسبوك واليوتيوب مثلا ليسا وسائل صحفية وإعلامية، وإنما وسائل تواصلية لها ضوابط نسقية داخلية، مبرمجة، من طرف مؤسسيها لاتخضع لنفس الشروط.

إن إخضاع هاتين الوسيلتين للتشريع والقانون في دولة ما يجعلهما خارج نسقهما. إنه اعتداء على ملك الغير، لأننا نحن العرب عموما لم نؤسسهما، لا علاقة لنا بهما سوى كمستهلكين. إن ما هو عام لايخضع هنا لما هو خاص، وهذا هو مشكلة من يرفع دعوى قضائية على صحفي يشتغل في الفيسبوك واليوتيوب: تقع هيئة المحكمة في ارتباك وحيرة، فتحول مجرى الدعوى إلى القانون الجنائي وليس قانون الصحافة والنشر، أو العكس. فالقاضي يوجد نفسه في مأزق: إن المتهم صحفي يستعمل اليوتيوب، بماذا سيحكم القاضي في هذه الحالة؟ إما أنه يلتجئ إلى قانون الصحافة والنشر أو يلتجئ إلى لقانون الجنائي.

تحت المقال