ما هو النقد الأدبي الجامعي المغربي ؟ إنه نقد يمارسه الأساتذة الجامعيين في شعبة الأدب العربي. يشمل هذا النقد الرواية والشعر وأحيانا القصة القصيرة، ويعتبر هذا الجنس الأدبي غير خاضع للنقد والتحليل والتفكير والتأويل إلا بشكل ما، وهو قليل، وهذه القلة تأتي ليس من صعوبته، ولكن لأنه جنس أدبي هامشي، ومتحول.
إن هذا النقد الجامعي هو نقد إيديولوجي، يمارسه الأساتذة الجامعيين، من خلال الاستفادة من المناهج، وبعض المفهومات، والمصطلحات، التي تمزج بين ماهو سائد في الإواليات النقدية التقليدية والحديثة، الأمر الذي يحيلنا إلى طريقة ما في التفكير، وذهنية معرفية وثقافية عامة ومكررة، وهي المزج بين القديم والجديد، أو تحديدا بين ما هو معياري، وتحليل نصي، وهذا التحليل النصي، لايستبعد الكاتب.
إن الكاتب يحضر في هذا النقد أو التحليل النصي من خلال ماهو بيوغرافيا وتاريخي وتحليل نفسي وتأويلي. من جانب ٱخر، يغلب على هذا النقد الإيديولوجي، والبلاغي، حيث تتم مقاربة الأعمال الأدبية والنصوص من خلال البلاغة: هنا تحضر الإستعارة والكناية والتشبيه، مما يجعل من هذا النقد نقدا تماثليا، إنه يرسم خطه من خلال القديم، وهذا لايعني أنه ليس جيد، ولكن ما يغلب عليه هو طابع المعيارية، ومسألة الجيد والرديء، ثم الانتقاء، حيث لايعمل سوى على اختيار هذا العمل أو هذا النص انطلاق من إسم الكاتب، إذ يتم استبعاد كتاب ٱخرين وأعمال ونصوص أخرى.
يمكن لنا القول أن هذا النقد الأدبي الجامعي الإيديولوجي قد اعتمد في بعض لمساته ومقارباته للأعمال والنصوص على مناهج حديثة، انطلاقا من اشتغالات البنيوية والسيميائية والهيرمينوطيقية، إلا أنه بقي في حدود ماهو سردي، ولم يتعمق فيما هو شعري، لأن الشعر القديم هو المهيمن في الدرس الجامعي، كما أن الدراسات الجامعية لم تستوعب إلا قليلا العمل الشعري الحديث، والتطورات التي حصلت فيه، وإن اجتهادات الأساتذة الجامعيين الذين يشتغلون في هذا الجانب المقارباتي للشعريات تنجز بشكل فرداني خارج الجامعة.
هذا ما يجعل الأستاذ الجامعي المغربي يضع رجلا داخل الجامعة ورجلا خارجها لكي يتنفس هواء جديدا، لكنه يظل محاصرا بالإيديولوجي الجامعي، الذي لا يريد أن يعترف بمقاربات نقدية وتحليلات نصية خارج دائرة الجامعة.
إن النقد الجامعي، مع ذلك، ليس نقدا أدبيا متحررا، ولكنه يشتغل داخل ” شروط” أدبية وثقافية، ومن خلال توجيهات، وإيديولوجية، وانتقائية، وتعليمية مبرمجة ومحددة.
هكذا، يغدو هذا النقد الأدبي الجامعي غارقا في الإيديولوجيا، مسيجا بانغلاقية جافة، ولهذا، فإنه يرفض أي جدة، أو أي تحول في الأدب والنقد، إلا في حدود ما تفعيلا، بشكل خجول، وشكلي، لانفتاح الجامعة على محيطها، وهو شعار لم يطبق بشكل فعلي وحقيقي.
إن الناقد الأدبي داخل الجامعة يمارسه نقده على وجهين: الأكاديمي ( التطابقي والتماثلي) والحر، أو الفرداني، حيث تصبح استقلاليته غير بريئة، إنه مخترق من الأكاديمي الذي يجعله ناقدا أدبيا حذرا.
بالطبع، هناك أساتذة جامعيين يمارسون النقد الأدبي أو التحليل النصي بالاشتغال على الأدب الكلاسيكي، مثل عبد الفتاح كيليطو، أو ٱخرين، لكنهم قلة. وعبد الفتاح كيليطو يشتغل بالأدب من زاوية خاصة ونظرة متفردة، إنه يمتلك وجهين: تحليلي وروائي ( الروائي هنا بمعنى الروائية Romanesque) كما يحددها رولان بارت، هكذا، يخرج عن التوجيهي والإيديولوجي، والجامعي والأكاديمي، ينتهك كل ذلك، بالخروج من الأحكام النقدية، ويجعل العمل أو النص القديم جديدا، يكشف الستور ويكتب المتعة، فلاتعرف هل أنت أمام قصة أورواية أو دراسة.
إن عبد الفتاح كيليطو يستنطق النص ليس في عمقه، وإنما في عبوره وتحوله.
ليس ممكنا للنقد الجامعي أن يخرج من أحادية نظرته إلا بجعل العمل والنص يتكلم بشكل مختلف، ويجعل التعددية صيرورته، وإلا، فإنه سيظل جامدا.
إن العمل أوالنص أدبيا، ليس إبداعا بالضرورة، وإنما هو إنتاجية، وتفاعلا للنصوص، وليس الكاتب إلا صورة داخل أعماله ونصوصه، وليس” بيوغرافيا”.
+ لوحة للفنان ليوناردو دافنشي
