رأى ميمون فيما يرى النائم أنه انتقل إلى مسرح جريمة وقعت في وقت بعيد، ولم يكن يعرف ما جرى بالتدقيق.
تلقى مكالمة هاتفية من الدركي إسماعيل، الذي كان يستدعيه لمكتبه على مراحل ليطلعه على بعض الحوادث و الجرائم، والتي كانت تقع في قرية الزريبة. كانت هذه الحوادث والجرائم قليلة. والغريب أن من سمى هذه القرية بالزريبة هو مؤرخ مجهول، كما أن الباحثين حاولوا أن يتعرفوا عليه وفي أي فترة تاريخية وجد، لكنهم لم يعثروا له على أثر.
كانت قرية الزريبة غير معروفة في جغرافية الوطن، ولم يتحدث عنها أي أحد إطلاقا. ولم يكن يعرفها سوى الدركي إسماعيل والصحفي ميمون.
كانت بيوتها متكونة من أشجار النخيل، وتغمرها أراضي فلاحية استولى عليها بطرق ملتوية النائب البرلماني مراد الذي لايضع قدميه على تراب القرية إلا في أوقات الحساب، والذي كان قريبه عبد القادر مكلف به، أو عندما يحين وقت الانتخابات.
جمع ميمون أدواته التي يحتاجها في عمله الصحفي بعد أن اتصل برئيس تحرير القناة وطلب منه أن يرسل معه المصور أحمد إلى القرية. سأله رئيس التحرير عبد الجبار عن فحوى الحادثة، فأجابه بعجلة:
إنها…جريمة!
حرك ميمون سيارته من مرآب مجاور لمنزله ومر بأحمد الذي ركب معه وهو يحمل كاميرا تصوير عتيقة. لم ينبسا ببنت شفة، ولكن الكاميرا كانت ترتج وتترنح، ولاتدري مالذي ينتظرها في قرية الزربية إلى درجة أنها تكلمت:
– لا أريد الذهاب معكم. أتركوني أنعم ببعض الراحة، فلقد سئمت من الجري وراءكم لتصوير مسارح الجرائم. اللعنة عليكم.
وصلت السيارة إلى قرية الزريبة. نزل ميمون. نزل أحمد وهو يمسك الكاميرا المترنحة من عنقها. استقبلهما الدركي إسماعيل مرحبا. وقال لهم: “اتبعوني” بعد أن نظر إلى الكاميرا التلفزية بحنو كأنه يداعب قطة سوداء.
كان الدركيون يفحصون مسرح الجريمة مطوقين المنزل بشريط أصفر من جانب واحد، تاركين الجانب الآخر للفلاحين ليتفرجوا. وفي زاوية بعيدة كان يوجد النائب البرلماني مراد ورجل بثياب رثة بعيون خضراء وأنف طويل ينظر إلى التراب وهو غارق في الصمت.
عندما ابتعد النائب مراد وضع أحمد الكاميرا في وجه الرجل الصامت الذي صرخ:
– لم أقتل أحدا!
ارتجت الكاميرا. ترنحت. وسقطت على التراب. أعادها أحمد إلى الوقوف ثانية.
تكلمت الكاميرا، وقالت:
– إنه يكذب… هو القاتل. إنهم جميعا قتلة.
لم يصدقها أحد.
ابتعد ميمون. كان يكلم الدركي إسماعيل في أمر خاص. بقي أحمد مسمرا فوق التراب. ابتعد النائب مراد ولم يعد أحد يراه كأنه سراب، فيما بقيت الكاميرا وحدها ترتج وتترنح.
